رئيس التحرير
عصام كامل

رامافوزا.. زعيم القيم بلا منازع

أعترف أن شخصيات مثل بلينكن وكيربى وبايدن وغيرهم من الشخصيات التي ترى أن الصراع في غزة هو صراع وجود بين القيم الحضارية الغربية والقيم الشرقية أو العربية تحديدا تصيبني بغثيان كلما تابعت تصريحاتهم حول ما يجرى من عدوان ومجازر وإبادة ضد الشعب الفلسطيني.


وأتصور أن أمثالى كثر، وأن الإحساس العربى العام يصب في صالح المقاومة وقد يتطور الأمر إلى أمنيات بزوال مثل هذه الكيانات، سواء كانت شخصيات أو دولا، وهذا يعني أن ما يجرى هو صناعة محترفة من خام الكراهية، ليس على مستوى أجيالنا التي وعت القضية منذ سنوات طويلة بل يمتد إلى الأجيال الجديدة التي استفاقت على صورة بشعة للحضارة الغربية.

Advertisements


وإذا كان الكيان المحتل يقود عدوانه تحت شعار القضاء على حماس فقد صنع دون أن يدرى ألف حماس وحماس في دول كانت شعوبها أقرب إلى التصديق أن العيش معا ممكن، بل إن الدول التي تسابقت على التطبيع مع الكيان المحتل وجدت نفسها فجأة في منطقة الخجل السياسي والقيمي، وأصبح حكامها الآن في مرمى عدم الشرعية من أساسه، وقد يتطور الأمر إلى براكين شعبية لا تحمد عقباها.

 

زعيم الأمة

أقول، وبعد تروٍّ ودراسة للمواقف الدولية من الإبادة، إن الأزمة الأخلاقية ليست مرضا مستوطنا في دوائر الحكم الغربية وحدها، بل إن هذا الميكروب المروع سكن قصور الحكم العربى وتوطن أكثر من توطنه في قصور الحكم الغربية، وموقف الكثير من العرب أكبر دليل على براءة الغرب من الانفراد و«الاستفراد» بغياب الوازع الأخلاقي في الحكم.


إن متابعة ما فعلته جنوب أفريقيا وحدها، وهي ليست دولة عربية أو إسلامية، وإنما دولة لا تزال تحظى بقيم أخلاقية في دوائر حكمها، ولم يغب عنها بشاعة الاحتلال والفصل العنصرى، فما جرى لهم لا يزال يجرى على المواطن الفلسطيني.. متابعة هذا الموقف الأخلاقي يكشف عري كثير من حكام العرب قولا وفعلا.


والسؤال: إذا كانت أمريكا ومعها الغرب الرسمي بعيدا عن شعوبهم يرون أن المعركة هي فيصل بين القيم الغربية والقيم العربية والشرقية، فهل يرى بعض حكام العرب الأمر على نفس النهج؟ بالطبع لا، ولكن الأمر أخطر من ذلك بكثير، فقد اجتمع القوم هناك والبعض هنا على هزيمة نَفَس المقاومة.


وانتصار نَفَس المقاومة -بفتح النون والفاء- يغلق الأبواب أمام كل مقاوم في ذاته ضد الديكتاتورية، ولذلك يتفق الغربيون مع بعض حكام العرب على ذات المصلحة، وهي هزيمة حماس، إذ إن انتصارها يفضى إلى أمور كثيرة وخطيرة تلقى بظلالها على شرعية بعض الأنظمة العربية،  وأخرى على الغرب وصورته الذهنية بالتفوق والاستعلاء مقابل الدونية التي يجب أن تترسب في نفوس منطقتنا وغيرها من غير مناطق الغرب الذي لا يُقهر.
 

 

إذن توافقت مصالح سلطات عربية مع مواقف الغرب دعما لكل ما يمكن فعله لهزيمة حماس، وهو ما يفسر لك ما جرى في عواصم تتصارع وتصارع من أجل زعامة الأمة، وعندما جاء الموقف الذي يولِّي على الأمة زعيما غاب الجميع، وتوارت الأمة التي لم تجد زعيمًا لها إلا سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا!

الجريدة الرسمية