رئيس التحرير
عصام كامل

في حضرة عام ليس بجديد

31 ديسمبر 2023م

كنا صغارا ينظم لنا الكبار عراكا من نوع خاص، عراك شريف يواجه فيه الطفل زميلا له ليقيس الكبار أيهما أقوى على النزال، كان الطفل يقف في مواجهة طفل آخر ويرفع كلاهما يده اليمنى عاليا ويدع اليسرى إلى الأسفل ويمسك كل منهما الآخر بقوة ثم يبدأ النزال.


تقاس القوة بين الطرفين بأى الطفلين سيسقط الآخر على الأرض وتمتد المنافسة لوقت طويل حتى ينهار أحدنا ويسقط الآخر عليه.. هنا يبدأ التصفيق للفائز.. تسلية «غشيمة» ينظمها الكبار بين الصغار.. ينتهى المشهد بفوز واحد على الآخر وعلى المهزوم أن يعد العدة لدورة قادمة.

Advertisements


رغم قسوة المنافسة فى عمر الطفولة إلا أنه كان عراكا بأقل درجة من الأذى ويحصل فيه كل متنافس على نفس درجات النزال، وعادة ما يكون طول الاثنين متناسبا وقوتهما أيضًا.. تنتهى حلبة السباق ليعود الطفلان ليلعبا معًا غير أن المهزوم عادة ما ينتظر المباراة القادمة ليعوض خسارته.


السباق الذى نراه على الشاشات هذه الأيام يختلف تماما، أحدهما يمتلك طائرات وصواريخ وجيش مدجج بمختلف أنواع السلاح، ولديه قنابل منحة من أمريكا تزن الواحدة منها طنا كاملا، ولديه صواريخ لها قدرة على صنع حفرة قد يصل عمقها إلى أكثر من عشرة أمتار، ولديه قنابل فسفورية محرمة دوليا ولديه قنابل كيماوية بشعة.


نفس المتسابق لديه قنابل نووية وقنابل قذرة ولديه تكنولوجيا متطورة في فنون القتل والتدمير وصنع الخراب ولديه عدد من دول الغرب تسانده فى معركته وتمده بالعتاد والسلاح وحق الفيتو، بينما لا يحظى المتسابق الثانى إلا بسلاح وحيد لا ثاني له.. سلاح الإرادة.


المثير أن وسائل الإعلام عربية وغربية تسميها حربا، مع أن الحرب بين جيشين وقوتين تتقاربان في القوة، ولديهما ربما نفس القدرات القتالية، أما ما نحن بصدده فهو جيش فى مواجهة مدنيين عزل، طرف يقتل دون حسابات.. فقط عليه أن يقتل أكبر قدر من البشر، أطفال، ونساء وشيوخ لا يهم، فالنصر لديه بعدد القتلى.


لا أعرف المسمى الذى يمكن إطلاقه على مثل هذه الحالة، إلا أنه حالة عدوان غير إنسانى وغير مبرر لن يفضى إلى نصر، وإنما سيفضى لا محالة إلى خلق بيئة من الكراهية قد تمتد لعقود دون الوصول إلى منتصر ومهزوم.. هنا فقط تهزم الإنسانية ويتمدد الشرخ الأخلاقى في حضارة الغرب.. هنا فقط صورة واضحة لصراع الحضارات.


أول يناير 2024م

تسقط من عمر الأرض ورقة فى خريف الزمان ليبدأ اخضرار ورقة جديدة ينتظر الإنسان ماذا كُتب عليها، تسوقنا القوى الكبرى إلى حيث تريد، فإن أرادت حربا فهى الحرب، وإن أرادت سلاما فهو السلام، وحساباتهم فقط تبدأ من عدد البنكنوت المتحصل من كوارث يصنعونها.


أن تظل في عالم لا وزن لك ولا قيمة شيء صعب، أن تبقى مجرد مفعول به تقودك قوى الشر المتحكم في العباد والبلاد شيء أصعب، وأن تظل كما أنت تعيش في دول تقتات عيشها بإرادة الآخرين وبأوامر الآخرين وبقرارات الآخرين ووفق جدول يضعه لك الآخرون.. هذه هى التبعية المقيتة.


عام جديد في سلسلة الأعوام التى لم نعد نعرف لها ملامح مستقبلية، يبدأ العام بأمنيات وينتهى بكوارث، وما بين الأمانى والكوارث تضيع الأعمار سنة وراء سنة، والبشرية كلها ضحية لنظام عالمى يقرر ما يشاء ويفعل ما يريد ويرسم الخرائط في غرف سرية لا نعرف لها تفاصيل.


وفي كل عام تنبت بذرة من بذور الكراهية وتتسع الفجوة بين غرب ينعم بما يسلبه من مغارة النهب وحياكة المؤامرات وبين شرق يعيش حالة المفعول به ينتظر نحبه، ويظل الفارق بين رؤية الغرب ورؤية الشرق في تفاصيل الموت وبأى طريقة نموت وبأى وسيلة نوجع وبأى نهج نستمر في خانة المفعول به.


يمضى عام ويأتى آخر دون أمل في ضوء ينير لنا طريق الحياة، ومع ذلك نحلم ونتمنى ونصنع من الوهم أملا لعله يأتى هذه المرة، ومع أنه لم يأت منذ عقود إلا أن وهم العيش في الانتظار يدفعنا دفعا إلى حالة استقبال تحت وطأة الاحتمال في المجيء هذه المرة.


على مدار التاريخ البشرى يصنع البشر من نفس الطينة قهرا يتمدد فى الأرض بين مستبد ديمقراطى ومستبد يحكم بالحديد والنار والناس بين المستبدين لا يزالون يحلمون بغد لا يأتى، ودون الغوص في تفاصيل السراب المتحكم فى البشرية، ليس لنا إلا أن نصنع حلما يساعدنا على المضى قدما نحو الوهم.

٢ يناير ٢٠٢٤م

أوراق ودراسات وأبحاث من مواقع عديدة تتناثر فوق مكتبى، أقرأ التفاصيل دون قدرة على استيعاب ما فيها، الحالة الاقتصادية تلقى بظلالها على كل تفاصيل الحياة المصرية، شبح الأسعار يطارد كل شيء، وحصان الدولار يقفز في الهواء كل دقيقتين دون لجام يوقفه.


لم يعد الفول ولا الطعمية طعام الفقراء، إذ لا مكان للفقراء في وطن يعيش دون حكومة تعى وتدرك ما يجرى على الأرض حتى وصلنا إلى أن يصبح البصل حديث الساعة، أوطان تحسب للمستقبل حسابات دقيقة وتدرس كيف تصبح رقما مهما في جدول العالم المتحضر ونحن ما زلنا لا نبرح حديث البصل.


في كل وجهة تسير إليها سيواجهك سؤال واحد: مصر رايحة على فين؟.. لا السائل يعرف الإجابة، ولا هناك مسئول تتوفر لديه إجابة، حالة من البلاهة الرسمية تكسو ملامح الحياة في مصر، فلا الوزراء وزراء ولا المحافظون محافظون، ولا سائل يعرف وجهة يجد فيها إجابة.


أظن أننا نعيش عصرا لم نعشه من قبل، ونتخبط مثلما لم نتخبط من قبل، ونبحث في كومة قش، عن دبوس لا يُرى بالعين المجردة.. حالة من العجب والغرابة والاندهاش.. حالة لا مثيل لها في تاريخنا المعاصر، والأغرب أن رئيس الحكومة نفسه قد يواجهك بنفس السؤال.


ماذا نحن صانعون إزاء أزمة الدولار وتحوله إلى سلعة يتنافس عليها الجميع؟ وماذا ستفعل الحكومة في الأزمات المتلاحقة التى تعصف بالمواطنين، وماذا سنفعل أمام أزمة الديون التى أغرقت البلاد والعباد في مستنقع الخوف والرهبة والقلق اللامتناهى.

 


ليست القضية فيما نعانيه من أزمات، إنما الصمت المطبق هو الأزمة التى تدفع الناس إلى أحضان الشائعات، وما أكثرها في بلد تتحكم فيه نوازع العتمة واللا شفافية بعد أن أصبح رئيس الوزراء هو الصامت الأكبر وسط كومة من وزراء لا يجيدون إلا الصمت.

الجريدة الرسمية