رئيس التحرير
عصام كامل

الديون الخارجية وحياة القحط ومستقبل الأجيال القادمة

مؤخرا اتخذ الدكتور محمد معيط وزير المالية، قرارا بتحصيل ضريبة القيمة المضافة بذات العملة الأجنبية التى تم بها سداد قيمة السلعة أو مقابل الخدمة، وقد برر الوزير قراره ذلك بالحرص على تحصيل مستحقات الخزانة العامة للدولة، على النحو الذي يسهم في تحقيق العدالة الضريبية.. 

 

وبالطبع الهدف الأساس من ذلك تعظيم موارد الدولة من العملة الأجنبية، من أجل سداد الديون الخارجية وفوائدها، تلك الديون التي كبلت بها الحكومة مصر وجعلتها في حالة يرثى لها من أجل إقامة مشروعات لا تدر عائدا على المدى القريب أو المتوسط، مثل بعض الطرق والكباري في الصحراء، وتدبيش كل ترع مصر، والقطار السريع الخ، مع ديون صندوق النقد الدولي التي لم تكن مصر أبدا في حاجة لها.. 

Advertisements

صندوق النقد وشروطه

وفرض صندوق النقد على مصر شروطا مجحفة مثل رفع الدعم، وزيادة أسعار الطاقة وكل الخدمات بصورة مبالغ فيها جعلت الطبقة الفقيرة تئن وتعاني معاناة لا حد لها دون ذنب أو مبرر أو حتى عائد عليها، وتظل الحكومة تنفذ سياسة الجباية من هذه الطبقة واستنزاف مواردها حتى القضاء عليها.. 

 

وتتفنن في سحب المال القليل من جيوب هذه الطبقة بطرق لم يسبق لها مثيل.. فلا تقبل بعض الجهات الحكومية شهادة الميلاد الكمبيوتر التي مر عليها عام أو أكثر، وينبغي أن تكون حديثة مع أنه لم يحدث شيء مثلا في تاريخ الميلاد، وتفرض غرامات على كل شيء، فالتأخر يوما واحدا عن استخراج الرقم القومي بغرامة، والتأخر عن إثبات أي تغير في الحالة الاجتماعية بغرامة الخ.. 

 

مع رفع أسعار كل الوثائق والشهادات والرسوم الحكومية والكهرباء والمياه والغاز الخ بصورة لم تسبق، كل ذلك في سبيل تحصيل المال لسداد فوائد القروض التي تم اقتراضها لإقامة العاصمة الإدارية والعالمين الجديدة وأرقى الأماكن التي لا يسكنها سوى الأثرياء وصفوة المجتمع الذين تنشأ من أجلهم الجامعات الخاصة والأهلية والطرق والمنتجعات والخدمات وذلك من جيوب الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ثمن كيلو سكر أو زجاجة زيت وتتبجح الحكومة أن كل ذلك من أجل الفقير! 

 

مع إلغاء التعيينات بالجهاز الإداري والاقتصار على بعض العقود التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويظل العجز مستمرا سواء في المعلمين وعمال الخدمات والأطباء الخ من أجل إرضاء صندوق النقد الدولي، الذي تهيمن عليه أمريكا والماسونية العالمية، ولم يهدف أبدا لخير مصر في يوم من الأيام.

 

ولم تتجه الحكومة منذ البداية لإنشاء المصانع التي تنتج ما يحل بديلا عن المنتجات المستوردة لحل أزمة العملة الأجنبية، ولم تتوسع الحكومة في الزراعة لتسد حاجة الشعب من مكونات الأعلاف التي تؤثر بصورة مباشرة على كافة أسعار السلع وليس فقط اللحوم والدواجن. 

 

فقد تضاعف الدين الخارجي لمصر بنحو أربع مرات خلال العقد الماضي، ليبلغ مستوى قياسيًا عند 165.4 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، نتيجة زيادة الاقتراض من المقرضين متعددي الأطراف وأسواق الدين العالمية. 

 

ويعادل هذا نحو 40.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتمثل الديون المقومة بالدولار أكثر من ثلثي الديون الخارجية للبلاد. وفي سبيل السداد تلجأ الحكومة لبيع الأصول المفترض أنها ملك للأجيال القادمة، كما تلجأ الحكومة لبيع الشركات الرابحة التي أيضا هي ملك للأجيال القادمة التي ستولد وتنشأ لتجد نفسها تعمل عند الأجانب مالكي الأصول المصرية. 

أزمة العملة الأجنبية


ومن المؤكد أن الحكومة في مأزق حيث تواجه سداد التزامات وأقساط ديون خارجية تقدر بنحو 42.3 مليار دولار خلال عام 2024 الذي يتبقى عليه أيام قليلة. وقد ذكر الدكتور محمد معيط وزير المالية أن مصر تمكنت من سداد نحو 25.5 مليار دولار فوائد وأقساط ديون، في النصف الأول من العام الحالي. 

 

وأوضح أن تم سدد 52 مليار دولار من أقساط وفوائد التمويلات المستحقة خلال العامين الماليين 2021/2022 و2022/2023. حيث سيتعين على مصر سداد نحو 32.8 مليار دولار بما يعادل نحو 20 في المائة من إجمالي الديون الخارجية للبلاد، ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024. 

 

ويمثل هذا زيادة قدرها 3.6 مليار دولار عن تقديرات البنك في سبتمبر الماضي، وهو ما يرفع إجمالي الديون المتوسطة والطويلة الأجل المستحقة على البلاد إلى 29.2 مليار دولار العام المقبل. أيضًا، سيتعين على مصر سداد نحو 9.5 مليار دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل خلال النصف الأول من 2024. ومن المقرر سداد الجزء الأكبر من تلك الديون خلال شهري فبراير ومارس من العام المقبل.


وفي ما يتعلق بالودائع الخليجية، فقد مددت الإمارات أجل استحقاق وديعة بقيمة مليار دولار كانت تستحق في يوليو الماضي، ليصبح تاريخ استحقاقها في يوليو 2026. ويبلغ إجمالي ودائع دولة الإمارات لدى البنك المركزي 5.7 مليار دولار. 

 

كما مددت الكويت أجل استحقاق وديعة بقيمة ملياري دولار لدى البنك المركزي كانت تستحق في أبريل 2023 لمدة عام جديد لتستحق في أبريل 2024. ويبلغ إجمالي ودائع الكويت نحو أربعة مليارات دولار، وقد أشارت بعض التقارير إلى أنه تم تمديد أجل استحقاق وديعة أخرى بقيمة ملياري دولار إلى سبتمبر 2024.. 

 

فيما أشارت تقارير أخرى إلى إمكانية أن تقوم السعودية والإمارات بإيداع نحو خمسة مليارات دولار أخرى لدى البنك المركزي المصري، وقد يشمل ذلك تجديد أجزاء مستحقة من ودائع قائمة للدولتين يحل أجلها العام المقبل. 

 

 

وعلى صعيد برنامج التمويل الخاص بصندوق النقد الدولي، فإن مجلس إدارة الصندوق يدرس بجدية زيادة برنامج قرض الثلاثة مليارات دولار المقدم لمصر، نظرًا إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، تزامنًا مع محادثات مصر لزيادة حجم التمويل ليصل إلى خمسة مليارات دولار.

الجريدة الرسمية