رئيس التحرير
عصام كامل

ساخرون، حكاوي زمان.. علقة ساخنة لتوفيق الحكيم بسبب بليد وشاطر

حكاوى زمان، فيتو
حكاوى زمان، فيتو

في كتاب توفيق الحكيم يتذكر الذي كتبه الأديب جمال الغيطانى، جمع فيه مقالات الكاتب الكبير توفيق الحكيم منها مقال تحت عنوان شاطر وبليد قال فيه:

لا تعلق ذاكرتي بشيء ذي بال في سنتى الأولى الابتدائية بمدرسة محمد على الابتدائية سوى أنى عرفت زميلا كان جارى ويلعب معى أيام عطلة الصيف وأنا أتاهب لدخول المدرسة، وبعد يوم دراسى قابلته وجاء معى إلى منزلنا بشارع الخليج المصرى وصرنا نلعب.

وإذا بوالدى يقبل علينا فى طريق خروجه متكئا على عصاه، فلما رأى زميلى -وكان يصغرنى فى السن والجسم- قال له: أنت مع الولد توفيق فى الفصل؟

Advertisements

أجاب زميلى بالإيجاب. فسأله هل توفيق مجتهد؟ فما كان من زميلى وصديقى الذى كنت ألاعبه منذ لحظة ويلاعبنى بكل صفاء وهناء، إلا أنه قال بكل بساطة: هو بليد، وقال عن نفسه لكن أنا شاطر

عندئذ لم أشعر إلا وعصا والدى قد رفعت في يده في ثورة عارمة لتنهال على جسدى دون سؤال أو تحقيق، ففررت جاريا عاريا، واختبأت تحت سريرى وتبعنى والدى بالعصا وهو يصيح: «يا خايب يا تمبل والله لأوريك».

سمع صِياحه من فى البيت وأقبلت والدتى وجدتى تسألان عن الخبر، فقال لهما والدى وهو يبعدهما عن طريقه، وقال: الولد بليد وغير فالح فى المدرسة، والولد الأصغر منه شاطر، وهو خايب ومش نافع. وانحنى يبحث عنى بعصاه تحت السرير.

كنت أبصر طرف العصا يلاحقنى فأتفاداه وأنا أرتعد من الخوف، ولم أذرف دمعة، ولم أصدر شهقة.. فقد جمدت الرهبة والدهشة كل مشاعرى، ولم أبكِ إلا بعد أن ابتعد عنى والدى على إثر دفاع جدتى عنى وسحبها إياه من عصاه خارج الحجرة.

بكيت لا لشعورى بألم، فأنا لم أضرب ولم تمسنى العصا، ولكنى بكيت لشعورى بالظلم.. لكن مرت الأيام وجاء امتحان آخر العام للنقل إلى السنة الثانية الابتدائية، فإذا أنا أنجح ومنقول بتفوق، وإذا زميلى من الساقطين الراسبين، وعجب والدى، واعترف أنه ظلمنى فى ذلك اليوم، تلك ذكريات سنة أولى ابتدائى التى لم ولن أنساها.

سرت فى السنة الثانية سيرا حسنا يؤذن بالتفوق فإذا بنا ننتقل من شارع الخليج المصرى إلى منطقة الحلمية الجديدة ونقلت إلى مدرسة المحمدية، لقربها من منزلنا الجديد وهنا اختل كل شيء فى حياتى الدراسية فلم تكن الدروس تسير بخطى واحدة فى المدرستين القديمة والجديدة خصوصا في الحساب..

كان فصلى متقدما في البرامج وكنت أجلس أحملق فى السبورة ولا أفهم شيئا وتعاقبت الدروس وأنا على جهلى، وتراكم جهل على الجهل ولم أجسر أن أصارح أهلى خوفا من التعنيف والتهديد بالعصا لولا أن أنقذتنى عناية الله ونقل والدى إلى دمنهور في منتصف العام.. 

كان ناظر مدرسة دمنهور الابتدائية صديقا لوالدى، وقال له أحضر لابنك مدرسا فى الحساب لأنه بسبب التنقل بين المدارس الإبن غير مستوعب، وعدت إلى التفوق وعادت إلى نفسى الثقة.

الجريدة الرسمية