رئيس التحرير
عصام كامل

معالي الوزير مجاش

يبدو أن عددا من القيادات الذين يقبعون على رأس مؤسسات وهيئات كبرى في هذا البلد قد وصلوا إلى قمة قيادتها عن غير استحقاق، وأن استمرار العمل بنهج المجاملات والاستعانة بأهل الثقة بات خطرا لا ينتج إلا فشلا، ويحمل البلاد أعباء فوق الأعباء، لا تحتملها حساسية وصعوبة المرحلة.

ولأننى هنا لست بصدد التشهير، في مرحلة لا مجال فيها سوى الدفع بالكفاءات لإنقاذ البلاد من عثرتها، فسأكتفي بعرض مثالين في غاية الوضوح، للتدليل على الفشل الذريع الذي يشوب الاستعانة بأهل الثقة على حساب أهل الكفاءة.

Advertisements

 

فمنذ عدة سنوات شرعت وزارة قطاع الأعمال متمثلة في الشركة القابضة للغزل والنسيج في طرح مشروع طموح لإعادة الريادة المصرية في هذا المجال، يتضمن إنشاء مصنع كان من المفترض أن يكون الأكبر في العالم لإنتاج الغزل، يقام على مساحة 62 ألف متر مربع وبتكلفة تقدر بـ780 مليون جنيه، وتنتهى أعماله الإنشائية في منتصف عام 2022، مع تطوير 65 مبنى مزودة بأحدث الماكينات العالمية بتكلفة تصل إلى 7 مليارات جنيه.

إلغاء القرض الإيطالي


ولأن المشروع كان من المفترض أن ينتشل صناعة الغزل والنسيج في مصر من الكارثة التي حلت بها خلال السنوات الأخيرة، لجأت الحكومة المصرية إلى إيطاليا لتمويله من خلال قرض تبلغ قيمته 540 مليون يورو، أي ما يعادل 17 مليار جنيه مصري، وبالفعل وافق الطليان على تمويل المشروع، مع وضع شروط بديهية متعارف عليها عالميا، من بينها إقامة المشروع على أرض نظيفة خالية من أي ملوثات.

 

غير أن ما حدث، أن الوزارة والشركة ضاقت بهم كل أرض مصر، ولم يجدوا سوى أرض ملوثة بمادة الأسبستوس المحظورة دوليا لإقامة المشروع عليها، وهي النتائج التي لم يكشف عنها الطليان، بل العينات التي تم رفعت بمعرفة وزارة البيئة المصرية، مما دفع الجانب الإيطالي إلى تجميد القرض وسحب موافقته على تمويل المشروع.

 

الفضيحة التي ارتكبها قيادات من المستحيل أن يكون أي منهم قد وصل إلى مكانه عن استحقاق، دفعت وزير قطاع الأعمال العام الحالي للخروج والاعتراف بأن المشروع قد تعرض لسوء تخطيط غير عادي، وأن القرض توقف بالفعل نتيجة لتلوث الأرض.

 

ولأننا في العادة لا نفعل ما يجب أن يكون إلا بعد وقوع الكارثة، فقد كان لابد من إعادة الدورة من جديد، حيث بدأت الوزارة في التعاقد -طبقا لتصريحات الوزير- مع استشاريين آخرين، وإشراك الهيئة الهندسية لضمان تحقيق الضوابط، والاتصال بوزارة التعاون الدولي لإعادة إقناع الطليان بالموافقة على إعادة تمويل المشروع "وربنا يدينا ويديكم طول العمر".

زيارة وزير الزراعة الصيني

تلك الواقعة للأسف لم تكن الأولى التي تعكس سوء اختيار القيادات، بل هناك وقائع أكثر قسوة، أبرزها في أبريل عام 2017 خلال عهد حكومة الدكتور شريف إسماعيل، وتحديدا عندما حضر وزير الزراعة الصيني هان شان فو إلى القاهرة في زيارة سبق تحديد موعدها خلال زيارة الرئيس الصيني إلى القاهرة في يناير 2016، كانت تهدف إلى توقيع عدد من الاتفاقيات تضمن زيادة حجم الصادرات الزراعية المصرية إلى بكين، وتذليل العقبات التي تقف أمام زيادة الاستثمارات الصينية في مصر.

 

وبالفعل، استقبل المسؤولون بوزارة الزراعة الوفد الصيني في غياب الوزير المصري، الذي فضل السفر إلى الإسماعيلية لمتابعة جلسات مؤتمر شبابي، وظل الوزير الصيني ومعه وفد من كبار المسؤولين والمستثمرين الصينيين يتجولون في المنطقة الصناعية في مصر على مدار 4 أيام برفقة موظفين، بعد أن تم إبلاغهم باعتذار الوزير لانشغاله بتكليف رئاسي، وأنه سيلتقيهم في اليوم الأخير للزيارة.

 

المحزن أن الوزير الصيني إمتثل لرغبة الوزير المصري، وانتظر لقاءه في اليوم الأخير، الذي كان من المفترض أن يشمل حفل غداء تم ترتيبه بأحد فنادق القاهرة، يعقبه لقاء يجمع الوفد الصينى بعدد من المستثمرين المصريين، ثم لقاء يجمع الوزيرين للاتفاق على المنتجات الزراعية التي ستقوم مصر بتصديرها إلى الصين، وتذليل المعوقات التي تقف أمام المستثمرين الصينيين في مصر، ثم التوقيع على عدد من الاتفاقيات تشمل كل الأمور التي تم التباحث بشأنها خلال حفل عشاء يقام في ذات الليلة.

 

غير أن المبكي، أن الوزير الصيني فوجئ خلال حفل الغداء بكارثتين، الأولى أن الوزير المصري لم يحضر وأنه مازال بالإسماعيلية، والثانية أن وزارة الزراعة المصرية ألغت لقاء المستثمرين، وهو بالطبع ما أثار غضبه بشدة، وقرر على الفور الانصراف، وطلب من السفير الصيني بالقاهرة إجراء اتصال عاجل برئيس مجلس النواب المصري وترتب لقاء لتقديم احتجاج على تصرف الوزير المصري.

 

وبالفعل تم ترتيب لقاء عاجل للوزير الصيني مع السيد الشريف وكيل مجلس النواب في ذلك الوقت، تم خلاله احتواء الأمر، وإقناع الوفد الصيني بأن الوزير المصري سافر مضطرا إلى الإسماعيلية لأمر هام، وأنه سيعود الليلة ويشارك في حفل عشاء سيقام للوفد الصيني وتدارك الأمر وإجراء المباحثات والتوقيع على الاتفاقيات بين الجانبين.

 

المذهل في الأمر، أن الوزير الصيني استجاب للضغوط، وتوجه مع الوفد المرافق إلى حفل العشاء، إلا أن المفاجأة التي أذهلت الجميع، أن وزير الزراعة المصري لم يحضر أيضا، وفضل البقاء في الإسماعيلية لمتابعة جلسات المؤتمر الشبابى، واضطر المسؤولون بوزارة الزراعة إلى الاتصال به تليفونيا لاحتواء الأمر، وفتح المايك ليتمكن المترجم من إدارة الحوار بينه وبين الوزير الضيف عبر الهاتف.

وهنا كانت النهاية، وعاد الوزير الصيني إلى بكين دون أن يفعل شيئًا سوى أنه فوض عددًا من الموظفين الصينيين بالتوقيع على اتفاقيات صورية مع عدد من موظفي وزارة الزراعة، وسط أطباق الكفتة والكباب بداخل مطعم شهير بأحد فنادق منطقة الجزيرة بوسط القاهرة، لا لشيء سوى أننا ندفع بأهل الثقة على حساب أهل الكفاءة.. وكفى.

الجريدة الرسمية