رئيس التحرير
عصام كامل

اغيثوا قصر شامبليون

لا أعتقد أن هناك مصريًا أو أجنبيًا مر بجوار قصر شامبليون بوسط القاهرة خلال السنوات الماضية، إلا وتساءل بدهشة عن سر إهمال الحكومة لتحفة أثرية بمثل هذه الروعة والقيمة والموقع والتاريخ، وتركها فريسة لتعديات ورش تصليح السيارات والسيّاس والمقاهي المحيطة، لدرجة وصلت إلى تهديد سلامة المبنى، وتراكم أكوام القمامة والمخلفات على السور الخارجي لتفوح منه أقذر الروائح.

 

ولمن لا يعرف قصر شامبليون، فهو قطعة فنية أثرية نادرة، تقع في وسط القاهرة، وتحديدًا في شارع الأنتيكخانة سابقًا، والذي تحول مسماه فيما بعد إلى شارع مويار، ثم إلى شارع شامبليون الذي حمل القصر إسمه على غير الحقيقة، حيث تعود ملكيته إلى الأمير سعيد حليم حفيد محمد على باشا، والذي تولى رئاسة وزراء مصر في أواخر الثمانينيات من القرن قبل الماضي، وظل يتقلد المناصب العليا إلى أن وصل إلى رتبة الصدر الأعظم فى الأستانة في عام 1913.

 

غير أنه من فرط عشق الأمير لمصر، شرع فى بناء القصر في عام 1896 على مساحة 4781 مترًا، وأوكل تصميمه إلى المعماري الإيطالي الشهير أنطونيو لاشياك الذي كان قد سبق له تصميم حي جاردن ستي وعدد من القصور الملكية الشهيرة في مصر، وبالفعل خرج القصر الذي كان من المفترض أن يهديه الأمير لزوجته بمثابة تحفة فنية على الطراز الإيطالي.

 

ويتكون القصر من مبنى رئيسي ملحق به جناحان بهما عدد كبير من الغرف يربط بينهما كوبري علوي، وأسفله بدروم يحوي عددًا كبيرًا من الغرف لإقامة العاملين، وتتميز عمارته بزخارف وتماثيل وأعمدة شاهقة، استخدم في تصميمها نوع نادر من الرخام الأحمر المموه باللون العاجي، جعله يشكل مع المدخل الضخم الملحق ببهو مهيب، شبه متحف مفتوح..

 

تعلو جدرانه زخارف هندسية بديعة، وقطع فنية ثمينة ونياشين مرصعة بأحجار كريمة تحمل الأحرف الأولى من إسم الأمير، إلى جانب صور نادرة لأفراد الأسرة المالكة، وحديقة شاسعة تحوي أشجارًا وزهورًا نادرة، وتماثيل فنية لملوك وأمراء أسرة محمد على، صنعت بأيدي أشهر الفنانين الطليان.

 

وقد آلت ملكية القصر إلى الحكومة المصرية في 13 مارس عام 1915 عقب مصادرة الاحتلال البريطاني لممتلكات الأمير سعيد حليم وأسرته، إلا أنه فى عام 1916 تحول القصر بغرابة إلى مدرسة إعدادية لأبناء الطبقات الأرستقراطية، استمرت لمدة 36 عامًا، إلى أن جاءت ثورة يوليو 1952 وتقرر إخلاء القصر لقيمته التاريخية.

 

الغريب، أنه خلال تلك السنوات من الإهمال، اختفت وللأسف أغلب القطع الفنية واللوحات والنياشين من القصر، واندثرت الحديقة التي كانت تعج بالتماثيل والأشجار والزهور النادرة، وهجر القصر حتى عام 2000 إلى أن أصدرت وزارة الثقافة في عهد الرئيس مبارك قرارًا بضمه كأثر..

تطوير قصر شامبليون

وقدم المجلس الأعلى للآثار بالتعاون مع معهد بحوث التنمية الفرنسي في مصر مشروعًا لترميمه وتحويله إلى متحف يحكي تاريخ القاهرة، غير أن المشروع توقف لأسباب مجهولة، تحدثت بعضها -دون توثيق- عن بيع القصر إلى مستثمر عربي، ودخول الحكومة المصرية في نزاع لاسترداده.

 

غير أن الثابت أن القصر تحول خلال تلك السنوات إلى خرابة تسكنها الأشباح، وهو ما دفع أصحاب ورش تصليح السيارات إلى استخدامه كمخازن، وتحولت أغلب جوانب السور الخارجي إلى ورش ومقاهٍ غير قانونية، وجراجات يحكمها السيّاس.. 

 

وتحول الجانب الآخر منه إلى مرتع لأكوام القمام والمخلفات لكل منطقة معروف وشارع شامبليون، وجميعها أسباب أدت بالتبعية إلى تعرض الأثر المبنى لتلفيات كارثية، تجسدت في ظهور شروخ وميول ورشح وتكسير بالزخارف والواجهات تهدد سلامة المبنى وتنذر بانهياره.

 

الإهمال المتعمد لقصر الأمير سعيد حليم الذي لا يعلم مبرره سوى الحكومات المصرية المتعاقبة التي توالت على مصر منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر وحتى اليوم، أثار وطنيين شرفاء، ودفعهم إلى تحريك دعوى قضائية اختصموا فيها رئيس مجلس الوزراء، ووزير الآثار ووزير الداخلية، ومحافظ القاهرة بصفتهم، مطالبين بالتدخل لإزالة التعديات وإنقاذ القصر.

 

وبالفعل أصدرت محكمة القضاء الإداري منذ أيام حكمًا تاريخيًا وملزمًا فى الدعوى رقم 21272 لسنة 67 قضائية، التي أقامها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بصفته وكيلًا قانونيًا للمرشدة السياحية سالي صلاح الدين، حيث قضت المحكمة بإزالة كل التعديات والاعتداءات على القصر، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإتاحته للجمهور للأغراض السياحية والثقافية باعتباره أثرًا مصريًا، وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن إجراء الصيانة اللازمة لحمايته.

 

 أتمنى أن تكون حكومة الدكتور مصطفى مدبولي على قدر المسؤولية الوطنية، وتسارع بتنفيذ الحكم الوطني الخالص دون السير فى إجراءات قضائية مضادة، وإلا فإن ذات المسؤولية الوطنية تحتم عليها أن تضع أمام الرأي العام الأسباب الحقيقية للإهمال المتعمد الذي يمنعها ومعها كل الحكومات على مدار نحو 70 عامًا من الاقتراب وإنقاذ القصر.. وكفى.

الجريدة الرسمية