رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نكذب؟

يبدو الكذب، هذه الأيام السقيمة، أسلوب حياة وأداة هروب، من مواجهة الحقيقة المؤكدة حاليا، وهي عدم القدرة على الوفاء بعهد أو وعد أو اتفاق، من المفهوم أن الكذب رذيلة، وهو فعل دنئ، ومعظم آثام القرار في حياتنا، مع تباين العهود السياسية، نتجت عن تجميل الحقيقة، بإخفائها كاملة تحت ألوان التبرير، أو بإظهار نصفها وإخفاء النصف الآخر، أو باستبدالها تماما بتزييف كامل المطابقة، لخداع الرأى العام.


نزوع الشخصية المصرية إلى الإخفاء والفهلوة، وميلها إلى المجاملة يلقيان بها إلى لذة الكذب الوهمية، والحق أن الكذابين يستطعمون خيالهم كما يستطعمون طبق فتة بالكوارع.. مثلا مثلا، ويستلمون بإيهام الضحايا، تذلهم بأنهم أذكياء منتصرون.


والحق أن المجتمع المصرى يعيش منذ أكثر من عشر سنوات في حالة من تغييب الحقيقة، وبخاصة في معاملات الناس بعضهم ببعض، ولا نتجنى على أحد، فكلنا مشاركون في التبشير بمشروعات وجلسات حوار واتفاقات وتوقيع عقود، ينفض بعدها الاجتماع، وتغلق التليفونات، وتموت الأطراف كلها أو تصاب بالخرس، كأنما ذهبوا جميعهم إلى جلسة خداع جماعية، يعرفون سلفا أنها فض مجالس.

الكذب والوهم 


في مجالنا الإعلامي، يدعون للاتفاق، وتعقد اجتماعات، وتوقع أوراق، ويستدعى الناس، ثم فجأة يتبدد كل هذا ويتبخر مع طلوع الشمس.


حد غصبك؟ حد دعاك؟ لماذا تكذب؟ ما هي المنفعة الباطنية التى تتحقق للشخص الكذاب من بيع الوهم لأناس ظنوا أنهم يساهمون بخبراتهم وعقولهم في مشروع، إعلامي ممكن، اقتصادي ممكن، هندسي ممكن.. هو وباء متفش منذ عشر سنوات، ولا شئ يبدأ، وإن بدأ لا يكتمل، والسر في ذلك ان المظهرية الخادعة، والرغبة في القيادة، هما وقود الكذب، الذي يحرق احلام وأماني الناس الذين صدقوا الكذابين، ومشوا وراءهم.


لو حاول كل منا ان يستدعي مواقف له مع أشخاص عملوا له البحر طحينة، أو هو نفسه عمل لغيره من المحيطين طحينة، فلن يطيق كل منا ان ينظر في المرأة دون أن يمط شفتيه قرفا واشمئزازا.. شئ من احتقار الذات، لو في الذات بقية من احساس وكرامة.


البعض يكذب لينجو من موقف ضاغط، كما يحدث في العلاقات الزوجية، لكن أن يتباهي الشخص، بعمل كبير، ويجمع المهارات، والكفاءات، ثم صمت مطلق مطبق، فهذا عار شخصي محض.. المرارة في هذه السطور ليست شخصية بحال، وإن لمستم فيها ذرة، لكنها مرارات، وحسرات جماعية، تتعجب إذ تفشى الكذابون المخادعون، يتاجرون ببضاعة من الوهم، سرعان ما ينكشف أمرهم.. 

 


لماذا تقول أنك ستفعل، ثم لا تفعل؟ لماذا تقول أنك ستحقق ولا تحقق؟ هل للكذب طعم لذيذ؟ أن تسرح بالناس، وتقودهم في غياهب نفس غير سوية؟
ظاهرة يجب دراستها.. لأن البقية الكاذبة تتكاثر كالأرانب..

الجريدة الرسمية