رئيس التحرير
عصام كامل

المزاج العام القلق للمصريين

قبل السوشيال ميديا كانت قياسات الرأي العام تقديرية وليست منضبطة لعدم وجود عينة مثالية يمكن القياس عليها ولصغر حجم العينة، ولكن بعد أصبحت صحافة المواطن هي أية هذا العصر تمكنت مؤسسات استطلاعات الرأي من تحقيق نتائج شبه منضبطة عن المزاج العام والرأي العام، وهنا ينبغي الإشارة إلى الاختلاف ما بين مفهومي المزاج العام والرأي العام..

 

فالأول هو معبر عن حالة عامة داخل المجتمع سلبية كانت أو إيجابية، يشوبها الرضى أو عدم الرضى العام، وإن كانت ليست موجهة تجاه قضية بعينها، أما الثاني، فهو معبر عن فكرة أو حكم على موضوع أو قضية أو شخص بعينه من قبل أفراد هذا المجتمع. 

 

وبرغم ذلك الفارق، يظل المزاج العام عنصرًا فاعلا في تشكيل اتجاهات الرأي العام للمواطنين تجاه القضايا المختلفة، ومن ثم مواقفهم السياسية العامة. وهكذا فإن اللجوء إلى استطلاع رأي المواطنين تجاه قضايا بعينها محل اهتمام مشترك لدى الجمهور قد تعطي مؤشرات حول حالة المزاج العام وترسم صورة أقرب رحما لواقع الحياة في مصر، ويمكن فك شفرات المزاج العام من خلال تحليل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن مع مراعاة سيكولوجية الجماهير، التي يغلب عليها المزاج العاطفى المتقلب أكثر من التفكير المنطقى الواعي. 

 

ففى الحشود تسرى عدوى الحماس نحو قضية معينة بسهولة، ما يؤجج العواطف ويحول التحريض إلى فعل حقيقي، فالشخص هنا يستمد شعوره بالقوة من الجماعة، فتزيد نسبة عدوانيته وتقل نسبة شعوره بالخطأ ومحاسبة النفس. وهو ما يفسر لماذا يكون هناك سيل من التعليقات المسيئة عبر منشور ما على وسائل التواصل الاجتماعي. 

تأثير السوشيال ميديا 

فالحشود الإلكترونية تشجع بعضها البعض خاصة أن الجزء المعلن هو الهوية الافتراضية للشخص، فلا يشعر بحرج أو خطأ بل يزداد في الإصرار على موقفه مستمدا القوة من بقية التعليقات المشابهة. وفى الحشود تختفى الآليات الاقناعية والعقلانية لتحل محلها المؤثرات العاطفية، مما يفسر سبب تصديق حشود السوشيال ميديا للشائعات بسرعة وكأنهم واقعون تحت تأثير تنويم مغناطيسي.


وقد بدا مؤخرا تأثر الغالبية تقريبا بالأزمة الاقتصادية وبدت حالة القلق من المستقبل ومن كيفية تدبير المعيشة بعد تدني قيمة الجنيه بالتزامن مع كثير من التصريحات الرسمية التي لا تحمل أي آمال في التحسن أو كيفية الخروج من الأزمة.. 

وهو ما دفع الكثير من الخوف والقلق وانعكس ذلك على تعليقات المواطنين علي السوشيال ميديا.. ويلاحظ  أن الحالة عامة للفقراء والأثرياء والرجال والنساء حملت درجة من التجرؤ علي السياسات العامة، ذلك أن الأزمات السياسية والاقتصادية قد تخلق لدى أفراد المجتمع شعورًا بالقلق أو عدم الارتياح، أو الخوف أو التشاؤم من المستقبل.. 

 

وعلى العكس فإن حالة الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي قد تخلق لدى قطاعات واسعة من أبناء المجتمع حالة ارتياح، أو شعور بالأمل أو الأمان ويوميا يحمل السوشيال ميديا مواقف أقل ما توصف بأنها تنتمي لكوميديا الموقف، ولا تستطيع قريحة أشهر وأعتى مؤلفي السينما والكوميديا أن تصل إليها أو تتخيلها..

 

 

فطبيعة المصريين وطريقتهم عصية على التوقع أو التنبؤ، ومواجهتهم للأزمات والمشاكل بسيطة وتلقائية وعفوية تصيب الآخرين بالذهول والدهشة بل والانبهار. وفي المحصلة هي جينات وراثية من خفة الدم والمرح والبسمة، تتوارثها الأجيال في مصر، وتصبح معينا لا ينضب من الضحك المر لمواجهة الازمات والغضب  والانزعاج، والإحباط.

الجريدة الرسمية