رئيس التحرير
عصام كامل

الصديق الحق.. والصديق المزيف

دار بيني وبين صديقي الكاتب الصحفي عبد القادر شهيب حوار تجاذبنا فيه أطراف الحديث حول الصديق الحقيقي الذي لا تغيره الأيام ولا تذهب بصفاء وده وطلاوة حديثه وصفو نفسه وصدق مودته والصديق المزيف الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب.. 

وشتان بين الصنفين؛ فالأول سند وظهر يجعل للحياة معنى يبث الطمأنينة في القلب والراحة في النفس.. أما الصديق المزيف فهو الجانب المظلم من حياتنا هو أقرب للنفاق يبدي خلاف ما يبطن، يمارس أسوأ أنواع الخداع والأنانية والأثرة.. وقد وافقني صديقي عبدالقادر شهيب الحق الرأي فيما ذهبت إليه.


ولا عجب والحال هكذا أن يوصينا رسولنا الكريم بإمعان النظر في اختيار الصديق بقوله: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، أي فليدقق كل منا في اختيار صاحبه.. ويقول أيضًا: "إِنَّمَا مَثَلُ الْـجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْـجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً".


ومن الشعراء من ينصح بعدم مصاحبة اللئيم..يقول الشاعر:
وَدَعِ الْكَذُوبَ فَلَا يَكُنْ لَكَ صَاحِبًا  *  إنَّ الْكَذُوبَ يَشِيـنُ حُـرًّا يَصْحَــــبُ
يَلْقَاكَ يُقْسِمُ أَنَّـهُ بِـكَ وَاثِــــــقٌ  * وَإِذَا تَـوَارَى عَنْـكَ فَهْـوَ الْعَقْـــــــرَبُ

يُسْقِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ حَـــلَاوَةً  *  وَيَرُوغُ مِنْكَ كَمَـا يـَرُوغُ الثَّعْلَـبُ
لا خَيْرَ فِـي وُدِّ امْـرِيءٍ مُتَمَلِّــــقٍ  *  حُلْـوِ اللِّسـَانِ وَقَلْبـُهُ يَتَلَهَّـــــبُ


الصديق الحق والعلامة الفارقة

الصديق الحق عملة نادرة؛ ومن ثم فلا يصمد في اختبار الحياة إلا كل صادق في مودته مخلص في محبته.. فالمواقف الصعبة خريف العلاقات.. معها يتساقط الزائفون ولا يبقى إلا المخلصون الصادقون.. وفي المحن تعرف معادن الرجال، وتظهر خبايا القلوب ويمتحن الإخلاص وتسقط الاقنعة.. الصديق الحق من يبادر بالسؤال عنك إذا غبت عنه ثم لا يمل كثرة الاتصال إذا لم يتلق منك إجابة لعارض أصابك؛ مرضًا كان أو انشغالًا،  بل يديم السؤال عنك ويحمل همك ويخلص لك الود كما يخلص النصح.


الصداقة مشتقةٌ من الصدق في المودة، وتدل كلمة صدق على قوة في الشيء قولا وفعلا.. الصديق الحق من يصدقك المحبة والنصيحة، ويؤذيه ما يؤذيك ويسعده ما يسعدك، ولا تحركه المصالح الدنيوية في علاقتكما.  الصداقة على قدر كبير من الأهمية وقد تغنى بها الشعراء، ويحضرني ما قاله حسان بن ثابت شاعر الرسول:
 

أَخِلاَّءُ الرِّجَالِ هُمْ كَثِيرٌ.. وَلَكِنْ فِي البَلاَءِ هُمْ قَلِيلُ 
فَلاَ تَغْرُرْكَ خُلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي..فَمَا لَكَ عِندَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ 
وَكُلُّ أَخٍ يَقُولُ أَنَا وَفِيٌّ..وَلَكِنْ لَيسَ يَفعَلُ مَا يَقُولُ
سِوَى خِلٍّ لَهُ حَسَبٌ وَدِينٌ.. فَذَاكَ لِمَا يَقُولُ هُوَ الفَعُولُ.
 

فشكرًا للأصدقاء الذينَ يَلمَسونَ نَبرة التوَجُع مِن أصوَاتنَا وَصمتنَا، فَلا يُنَاقشونَنَا وَإنّما يفتشون عن أمور تُسعدنَا وَتَبعث البَهجة فِي نُفوسنا. ما أجمل تلك المشاعر البشرية والأحاسيس الإنسانية المرهفَة الصادقة المفعمة بالحب والنقاء التي تمتلئ بها الروح ويضطرب بها القلب ويهتز لها الوجدان؛ فالصّداقة زهرة بيضاء تنبت في القلب وتتفتّح في القلب ولكنّها لا تذبل. 


لا شك أن هناك من يكون حضوره في حياتك علامة فارقة، وهناك من يكون علامة فارغة، فاختر الصّديق الحقيقي، واحذر من الصّداقة المُزيّفة. الصداقة كما الحب تمر أحيانًا بمخاطر كبيرة، توشك على الموت وقد يتطلب إنقاذها عملية جراحية.. وهناك أصدقاء يحتاجهم عقلك، وهناك أصدقاء يحتاجهم قلبك، وهناك أصدقاء تحتاجهم أنت لأنّك ببساطة دونهم تصبح بلا عنوان. 


الصّديق الحقيقي هو الّذي يفرح إذا احتجت إليه ويسرع لخدمتك دون مقابل. بَهجةُ الأصدقاء سَبب كافٍ لأن نُصبح سُعداء جدًا. الصداقة كلمة تحمل معانٍ عدّة أجملها التضحية من أجل الآخر، والتحرّر من الانطوائية، والاندماج مع الآخر.. وفي النهاية لا يبقى إلا الحب الحقيقي المجرد من المصلحة وقد صدق الشاعر إذ يقول:
فما كلُّ من تَهواهُ يهواكَ قلبهُ * ولا كلُّ من صَافيته لكَ قد صَفَا.

الجريدة الرسمية