رئيس التحرير
عصام كامل

بديل الإخوان.. إخوان

يقول قائل أين كانت الأحزاب السياسية من دعوات الخروج إلى الشارع تعبيرا أو تدميرا أو تخريبا أيا كان مغزى الدعوة للحراك الجماهيري المطلوب لتعديل بوصلة النظام أو تدميره والعودة إلى مربع الفوضى.. لم نرَ حزبا سياسيا مهما يقف على ناصية الجماهير داعيا إلى الهدوء أو إلى التعبير عن مكنون الغضب الساكن في نواحى مصر بطريقة أكثر تحضرا وتأثيرا بعيدا عن دعوات غرباء يعيشون فى دول أخرى.


ولم نرَ حزب الأغلبية القابض على البرلمان والشيوخ يتحرك حراكا مؤثرا ليوضح للعامة أن الخروج في حد ذاته ليس هدفا وليس طريقا وحيدا للتعبير عن أزمة يعيشها المواطن المصرى.. اختزلت الحياة السياسية في مربعات سكنية وداخل أسوار فيلات غالية الثمن دون سد للفراغ الذى تستخدمه جماعات الشر سواء بالدعوات إلى الفوضى أو السيطرة على ترمومتر الغضب، وهو الأخطر من وجهة نظرى.


تشويه الحياة الحزبية

حبس الأحزاب السياسية فى مقارها ليس وليد اليوم، وليس من بنات أفكار المرحلة، فقديما وخلال مرحلة مبارك كان الهدف دوما هو ضرب الأحزاب السياسية ومرمطتها وتخوينها وتخويف الناس من الانضمام إليها، وترك الحبل على الغارب لجماعة الإخوان وشلة السلفيين.


لسنوات طويلة كان الهدف الإستراتيجى هو تشويه الأحزاب السياسية، وكم من مكائد حيكت بليل لتلك الأحزاب، وما ولد منها كبيرا جرى تقزيمه، وما كان منهم له مستقبل زُج به خلف أسوار المقار.
وكانت أجهزة أمنية تقاس درجات نجاحها بما تفعله فى قادة الأحزاب السياسية، وفى المقابل لم تكن تلك الأحزاب كلها من الملائكة.. كانوا بشرا يصيبون ويخطئون، وكان منهم من تلوثت ذممهم بمال عربى جاء إلينا ليحقق أهدافه.


وخلاصة القول، إن ما جرى من تشويه للحياة الحزبية كان هو السبب الحقيقى لتوغل وتوحش جماعة الإخوان وسيطرتها على مفاصل المجتمع المصرى، وقولا واحدا كان النظام القائم هو السند الحقيقى لجماعة الإخوان بضربه للأحزاب المدنية الشرعية التى كان يمكنها توفير بديل.


فى يناير، وصل الإخوان إلى ريموت كنترول الشارع وساقوه كما أرادوا، واقتادونا إلى حيث خطط كبراؤهم وقادتهم، وبين يوم وليلة أصبح منهم البرلمان والوزارة والرئاسة.. وعلى فجأة، كان التحرك الشعبى التلقائى هو الملاذ الوحيد الذى أنقذ البلاد من قضية شريرة أرادت بنا سوءًا، واستعاد المواطن زمام الأمر، وقاد البلد إلى شاطئ النجاة، وتشكل نظام وطنى جديد لم يستوعب الدرس.

شبح الإخوان


ومرة أخرى عاد عرض الفيلم القديم المتهالك، وأصبح نموذجا بعد تشكيل حزب متضخم يضم شوارد النظام القديم وفلول الإخوان وجماعات المصالح التى تتصالح مع أى نظام دون انتماء حقيقى. ووصل الحزب الجديد إلى منصة العرش فى البرلمان والشيوخ، وظلت الأحزاب الأخرى كما هى حبيسة المقار كرها وطوعا، ليظل شبح الإخوان كما هو يتربص بنا ويقودنا من خارج الحدود.


نعم انطلقت دعوات الخروج من خارج الأرض لتسبب عبئا أمنيا وسياسيا، وتعيد السؤال إلى منطقه القديم: من هو البديل السياسى المدنى والوطنى الذى يجب أن يدعم ويسمح له بالقيادة؟
لن تجد إجابة لسؤال جديد قديم، لأن الطريقة كما هى.. حصار للتيارات المدنية مقابل تيار إرهابى يمتلك من الأدوات ما لا يمتلكه حزب الأغلبية الآن فى بر مصر.


سنظل ندور فى نفس الدائرة إن لم يؤمن النظام بأن توفير بديل سياسى مدنى ورعايته بتركه يتحرك خارج أسوار المقار ليسد فراغا لم تسده طرق قديمة بالية وتشكيلات حزبية عقيمة ولدت من رحم النظام.


أقول ذلك وقد قضيت أكثر من واحد وعشرين عاما أعمل فى صحيفة أقدم حزب فى التجربة التعددية الثانية، وأول زعيم للمعارضة بعد تحويل المنابر إلى أحزاب.. وقد هالنى ما رأيت على مدار هذا العمر الطويل من دعم كل مؤسسات الدولة لجماعة الإخوان واللعب معها ضد كل تيار مدنى ظهر حديثا أو قديما، فكانت مصيبة ما بعد يناير.

 


إن لم نستوعب الدرس ستظل جماعة الإخوان الإرهابية هى البديل الوحيد القادر على إثارة الشغب وإلقاء الأحجار في بحيرة طالما طال ركودها بعبث رسمى مقصود أو غير مقصود.. لن تتوقف دعوات جماعة كانت قاب قوسين أو أدنى من التحكم فى كل مفاصل الوطن، ولن تكون دعوات 11/11 هى الأخيرة إن لم نقف صفا واحدا لتوفير بديل مدنى قادر على تحمل المسئولية الوطنية بعيدا عن الحلول المعلبة، والتى أثبت الواقع ضعفها وهوانها.

الجريدة الرسمية