رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الحجاب في إيران.. مهسا أميني تتسبب في انقسام بشأن الاحتشام بين التيار الأصولي والليبرالي المتحرر

أزمة الحجاب في إيران
أزمة الحجاب في إيران

عمَّق حادث وفاة الشابة الإيرانية "مهسا أميني" عقب أيام من توقيفها بواسطة "شرطة الأخلاق" حالةَ الانقسام في إيران، ما بين تيار أصولي محافظ وآخر ليبرالي متحرر.

 

أزمة الحجاب في إيران

وأشعلت وفاة "مهسا أميني" احتجاجات غاضبة في مدن إيرانية رئيسية بينها العاصمة طهران، لدرجة وصلت إلى سقوط عشرات القتلى في مواجهات مع قوات الأمن بحسب الإعلام الإيراني الرسمي.

وبدا المشهد في إيران من خلال الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية الحادث، وكأنه انقسام بين أمرين: تيار أصولي يتظاهر دفاعًا عن الحجاب ورفضًا لـ"اللباس غير المحتشم"، وتيار ليبرالي يطالب بحق الناس في حرية الملبس.

 

هزة عنيفة في النظام الإيراني

في تقرير نشرته وكالة "رويترز" للأنباء، أفاد بأن الاحتجاجات أحدثت هزة عنيفة في النظام الإيراني، مستدللًا بأعداد المحتجين على رغبة الناس في تغيير النظام وتأسيس دولة ديمقراطية.

ونقلت الوكالة عن جيسو نيا، مديرة "مشروع التقاضي الإستراتيجي" في مؤسسة "المجلس الأطلسي" للأبحاث قولها: "الآن بعد أن خرج المتظاهرون بشكل واضح إلى الشوارع للاحتجاج على وفاة مهسا أميني والمطالبة بالتغيير، لم يعد هناك مجال للجدل في أن الناس يسعون في نهاية المطاف إلى تغيير النظام ويرغبون في حقوق الإنسان وحكومة تمثلهم".

وقال المحلل في مجموعة "أوراسيا" هنري روم: "الحرس الثوري والباسيج يتصرفون بوحشية وهم مخلصون ولهم فاعلية في قمع الاحتجاج لخبرتهم في ذلك على مر السنين".

وأضاف: "خطر الاحتجاجات على الاستقرار الحالي للحكومة أقل منه على شرعيتها واستدامتها على المدى الطويل".

يذكر أن إيران تعرَّضت لاحتجاجات واسعة عامي 2017 و2018 سقط فيها حوالي 1500 قتيل، بحسب رويترز.

وفي عام 2019، قالت السلطات الإيرانية: إن 200 ألف شخص شاركوا في ما يمكن أن يكون أكبر مظاهرة مناهضة للحكومة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد 40 عامًا.

ووصف مئير جويد نفار، أستاذ السياسة الإيرانية في جامعة رايشمان في إسرائيل، أحدث الاحتجاجات بأنها علامة فارقة للإيرانيين الغاضبين من "نظام فاسد لا يتمتع بالكفاءة".

وقال: "لن تكون هذه الاحتجاجات الأخيرة، سنرى المزيد"، مستبعدًا تحول الاحتجاجات إلى ثورة ما لم يبدأ أحد القادة لا سيما من القوات المسلحة الإيرانية في الوقوف إلى جانب الشعب ضد النظام.


غضب النساء

أحدثت الاحتجاجات صدعًا آخر في الجمهورية الإسلامية رغم خبرتها في التعامل مع الاضطرابات التي سببها الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، حيث فجرت غضب النساء المكتوم.

وتحدت النساء علانيةً قواعد الملبس الإسلامية في البلاد، ولوحن بحجابهن وأحرقنه، وأظهرت بعض مقاطع الفيديو التي تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، النساء وهن يقصصن شعورهن في بث حي على الهواء مباشرةً، مع دعوة الحشود الغاضبة إلى إسقاط المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، مرددات هتافات "لا للحجاب، لا للعمامة، نعم للحرية والمساواة".

ومن حدة النساء الإيرانيات في التعبير عن غضبهن، يبدو أن قضية أميني لامست وترًا حساسًا لديهن، وأطلقت العنان لغضب ظل مكبوتًا لسنوات إزاء الحجاب الإلزامي.

يقول محللون: إن وفاة أميني ستمنح الجرأة للمزيد من النساء على تحدي الحكومة فيما يتعلق بقيود الملبس، حتى لو خفتت شعلة الاحتجاجات التي امتدت إلى معظم أقاليم إيران البالغ عددها 31 إقليمًا أو تم القضاء عليها.

وقال أوميد معمريان، وهو محلل إيراني مقيم في الولايات المتحدة: "لقد أطلقت وفاة مهسا أميني الطاقة المكبوتة منذ عقود وإرادة المقاومة لدى النساء.. إنها ليست المرة الأولى، لكن هذه المرة مختلفة"، مرجحًا في النهاية أن تبدي السلطات مرونة بشأن هذه القضية.

وقال: "لا يمكن أن تقبل الحكومة الإيرانية أبدًا المطالبة بإجراء استفتاء على دستور إيران، لكن يمكنها إلغاء فرض الحجاب".

وبموجب دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي فُرض بعد ثورة عام 1979، فإن النساء ملزمات بتغطية شعرهن وارتداء ملابس طويلة وفضفاضة، فيما تواجه المخالفات التوبيخ العلني والغرامات والحبس.

ومع أن هذا التحدي شائع، إلا أن الصدمة التي خلفتها وفاة أميني والاحتجاجات التي انتشرت على مستوى البلاد بسببها، زادت من احتمالية مطالبة النساء الإيرانيات بمزيد من الحريات حسبما ذكرت العين الإماراتية.

 

المؤسسة الدينية 

لا تستطيع المؤسسة الدينية في إيران إخفاء انزعاجها من موجات الاحتجاجات المناهضة للحجاب على مدار السنوات الماضية، ودائمًا ما تهاجم النشطاء المطالبين بالتخفف من فرض القيود على ملابس النساء.

قال إمام أحد المساجد في إيران: "بالنسبة إلى كثير من مناهضي شرطة الأخلاق، ليست قضية الحجاب سوى ذريعة لإحداث اضطراب في أمن بلادنا".

وأضاف رجل الدين البالغ من العمر 40 عامًا، مرتديًا عمامته السوداء، أن "وضع الحجاب هو جزء من الهُوية الدينية والوطنية للإيرانيين.. بالتأكيد يحتاج عمل شرطة الاخلاق إلى إعادة نظر، لكن ذلك لا يُعالج بأعمال شغب".

وأكد خلال انضمامه للتظاهرات المؤيدة لشرطة الأخلاق، أن "الإيرانيين الحقيقيين هم مَن يتظاهرون اليوم دفاعًا عن الحجاب".


تظاهرات مضادة 

أمام جامعة طهران، وعلى بعد حوالي مئة متر من شارع "الحجاب"، حيث واظب معارضون لشرطة الأخلاق على التظاهر كل مساء، تعالت أصوات أنصار ارتداء الحجاب، رافعين لافتات تأييد وشكر لقوات الأمن.

الشاب حسين زارين (24 عاما) الطالب الجامعي قال إنه شارك في المسيرة المؤيدة تلبية لدعوة المجلس الإسلامي لتنسيق التنمية الذي نظم التظاهرة، وتابع: "أحزنني موت مهسا أميني.. أتيت دعمًا للجمهورية الإسلامية وليس لشرطة الأخلاق لأنني أعتقد بوجوب إصلاحها".

وعلى خلفية آثار الإطارات المحترقة على الرصيف، يتفهم زارين غضب السكان رغم أنه يرفض العنف، قائلًا: "نواجه مشكلة في هذا البلد.. ليس لدينا آلية للتظاهر في إيران".

وتابع بحماسة: "منذ 43 عامًا (تاريخ قيام الثورة الإسلامية في 1979)، لم تسمح الحكومة مرة واحدة للناس بتنظيم تجمع سلمي لانتقاد الخطوط السياسية الكبرى للنظام".

الجريدة الرسمية