رئيس التحرير
عصام كامل

الانفجار السكاني "القنبلة الرهيبة".. خطة مصرية للحصار.. وهذه تجارب العالم للخروج من المأزق

أرشيفية
أرشيفية

سنوات عديدة تحاول فيها الحكومات المصرية المتعاقبة التصدى لأزمة الانفجار السكاني، لكنها لم تنجح عبر عقود فى حل هذه المعضلة، إذ لا تزال «القنبلة السكانية» أبرز الأزمات والتحديات، بل إن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى صرح مؤخرًا بأن «التحدي الكبير أمام الدولة المصرية هو الزيادة السكانية»، داعيًا كل المصريين «أن يشعروا بهذه المسئولية وهذا التحدي أمام الدولة».

وأكد مدبولي أن كل الجهود التى تبذلها الدولة للتنمية لن يتم الشعور بها بسبب الزيادة السكانية، مشيرا إلى أن حجم الزيادة السكانية فى نهاية هذا العام يقدر بمليون و600 ألف نسمة.

المثير أن حجم هذه الزيادة السنوية يعادل عدد سكان بعض الدول، وهو ما أكده مدبولى بالقول إن «الزيادة السكانية الرهيبة فى مصر تعادل أحيانا عدد السكان فى دولة ما، وأود التأكيد على أننا لن نشعر بعائد أي جهد يُبذل من قبل الدولة والحكومة طالما تحدث الزيادة السكانية بالمعدلات الحالية».

وأوضح رئيس الوزراء أن الفترة المقبلة تحتاج منّا جميعا أن نتكاتف معا من أجل تنفيذ برنامج مدته 10 سنوات ترتكز أهدافه على ألا يزيد عدد المواليد في الأسرة الواحدة عن طفلين فقط، وهو ما سيسهم بصورة كبيرة فى خفض معدلات الزيادة السكانية، وبالتالي يشعر المواطنون بعائد ما تقوم الدولة بتنفيذه من مشروعات، ويتم تعويض الفجوة المتراكمة لدينا منذ 30 أو 40 سنة فيما يتعلق بنقص أعداد المدارس والمستشفيات والخدمات.

ودعا رجال الفكر ووسائل الإعلام والمجتمع المدنى أن نقف جميعا جنبا إلى جنب مع المسئولين من أجل تنفيذ هذا البرنامج المهم، للمساهمة فى تقليل الزيادة السكانية بمعدل مليون مولود كل عام، ولمدة عشر سنوات، مؤكدا: لا بد أن نشعر جميعا كمصريين بعظم المسئولية الخاصة بهذا التحدى.

فهل يمكن أن تنجح خطة الحكومة؟ وما الحل لمواجهة القنبلة السكانية الرهيبة؟ وكيف يمكن التصدي لهذه الأزمة؟ وهل يمكن تطبيق النموذج الصينى فى حل هذه المعضلة؟ حيث قررت التوسع بحملات تنظيم الأسرة واستخدام وسائل منع الحمل والتزمت بالإنفاق على الطفل الأول فقط، أما فى حالة إنجاب طفل آخر فتتحمله الأسرة، الأمر الذي أسهم بشكل كبير فى التزام الصينيين بإنجاب طفل واحد.

«فيتو» أجرت حوارا مجتمعيا مع عدد من السياسيين والاقتصاديين والبرلمانيين حول الأزمة السكانية فى مصر، وطرق التعامل معها، وصولًا إلى حلها حلا ناجعًا لمنعها من إجهاض خطط التنمية، فإلى التفاصيل:
تجارب العالم

وفي البداية فإن المشكلة لم تكن حِكرا على مصر، فكثير من الدول واجهتها وخطت خطوات جدية لضبط الزيادة السكانية، حتى لا تشكل عائقًا اقتصاديًا عليها، وقد تمكنت بعض الدول من تحقيق نجاحات ملموسة فى الحد من الزيادة السكانية، ومن أهم الدول فى هذا المضمار الصين، ذات العدد السكاني الكبير الذي يفوق مليار نسمة.
الصين
حققت التجربة الصينية نجاحات واضحة فى الحد من الزيادات الكبيرة وتخفيض معدل النمو السكاني، فالصين تُعد من أكبر دول العالم من حيث المساحة والسكان، و90% من السكان يعيشون على 16% من الأرض.

كان الرئيس الصيني ماوتوتسي تونج من أصحاب الرأى القائل: "إن الثورة والإنتاج سيحلان جميع المشكلات دون الحاجة إلى تحديد للنمو السكاني"، لكن الاضطراب الشديد ساد الصين بسبب عقود الحرب والتضخم والسياسات الاقتصادية المتقلبة، فقد كان تركيز الصين على الصناعات الثقيلة على حساب الزراعة والصناعات الخفيفة، وتطبيق نظام الكيمونات فى الزراعة والثورات الثقافية، مع ضغوط الزيادة السكانية، التي وصلت إلى مليار و85 مليون نسمة عام 2010، ومن المتوقع أن تصبح 2 مليار و35 مليون نسمة عام 2050.

الزيادة السكانية في الصين أدت إلى حالة من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وزاد معدل الجريمة والفساد والبطالة، بالإضافة للتفاوت الطبقي، وتشير الإحصاءات إلى أن 100 مليون فلاح كانوا بدون عمل عام 1990، وتحول حوالى 7 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية لأراضي ملحية وقلوية والتصحر بسبب الضغط السكاني المتزايد على الأرض، وقُدرت الخسائر بمبلغ 20.6 بليون دولار، أي حوالي 7.3% من الناتج المحلى الإجمالى في الصين، والخسائر الصحية قدرت بـ9.3 بليون دولار في عقود السبعينيات والثمانينيات، وهناك الكثير من الآثار السلبية التي عانت منها الصين بسبب الانفجار السكاني.

تبنت الحكومة الصينية سياسة صارمة للحد من الزيادة السكانية، فعملت على سياسة الطفل الواحد، للوصول للنمو السكانى صفر%، وقدمت الحكومة الصينية عدة حوافز ووسائل للعائلة لالتزامهم بمولود واحد، فقدمت زيادة الدخل وامتيازات مادية ومعنوية، وتوفير فرص عمل للمولود عندما يبلغ سن العمل، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم لمولود واحد مجانًا.

ونتيجة لهذه السياسات انخفض معدل النمو السكانى بشكل كبير ومستمر من عام 1970 فوصل من 2.3% إلى 1% عام 1994، و4.% عام 2009، وبرغم أن عدد السكان المقدر فى عام 2010 للصين بمليار و85 مليون نسمة، لكن بفعل هذا السياسات وصل معدل النمو السكاني للصين فى 2010 إلى مليار و40 مليون نسمة، ما خفف من الضغوط السكانية على اقتصاديات الصين.

التجربة الهندية
أما الهند فحالها أسوأ من الصين، فقد بلغ عدد سكانها مليارا و407 ملايين نسمة، فهى الدولة الثانية فى العالم من حيث عدد السكان، وأدى التضخم السكانى المتزايد إلى وجود فجوة بين الدخل القومى العام للهند ومعدل الزيادة السكانية.


وبرغم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى فى الهند، لكن فوائد وثمار ذلك النمو لا تتدفق لمعظم الهنود، والأغلبية يكافحون لتأمين الاحتياجات اليومية الأساسية، حيث يعيش ما يقرب من 60% من الهنود تحت خط الفقر، والذى يُقدر بمبلغ 3.2 دولارًا فى اليوم، وذلك ما أكدته الباحثة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سهير الشربينى، فى بحثها عن "الاقتصاد والسكان...".


أكثر من 30% من الهنود تتراوح أعمارهم بين 15 و35، وأدت الزيادة السكانية فى الهند إلى أن الهنود لا يجدون فرص عمل مناسبة لهم، نتيجة لضعف برامج التعليم والتدريب، وأدى ذلك بدوره إلى أن عشرات الملايين من الشباب أصبحوا عمالة غير ماهرة، وهو ما اضطر العديد من الهنود للسفر والعمل بالخارج فى وظائف متدنية، والقبول بمرتبات قليلة بحثًا عن لقمة العيش.


فشلت الهند فى خلق موائمة لاستغلال النمو السكانى المتزايد وأيضا النمو الاقتصادى للدولة، ما أجبر الدولة على اللجوء إلى عمليات غير أخلاقية لتحديد النسل، فقامت بتعقيم السيدات، ما يحرمهن من حق الإنجاب، ونشأت عن هذه السياسة مشكلات اجتماعية كبيرة، برغم أن الحكومة احتالت بمنح السيدات الموافقات على التعقيم تعويضات مادية كبيرة، بالإضافة إلى مكافآت مثل الأجهزة الكهربائية أو سيارات لتشجيع الأسر على قبول هذه العمليات.


باكستان
التجربة الباكستانية أيضًا حاضرة، ووفقًا للمسح الصحى الديموغرافى لباكستان فى 2006-2007، فإن 96% من النساء يستخدمن واحدة من وسائل تنظيم الأسرة على الأقل، وأقل من 30% من النساء المتزوجات حاليًا يستخدمن وسائل منع الحمل. و25% فقط من المتزوجين يرغبون فى استخدام وسائل منع الحمل ولكنهم لا يفعلون ذلك لعدم توفرها.


تعتبر باكستان سادس دولة عالميًّا من حيث عدد السكان، أكثر من نصفهم أقل من 24 عامًا، وتمتاز باكستان بتنوع مواردها الطبيعية؛ وبرغم تضاعف نموها الاقتصادى، لكن معدلات التنمية البشرية المتدنية والوضع القانونى وطبيعة النظام السيئ، أدى كل ذلك لتقويض إنتاجية باكستان، الأمر الذى أعاق نموها الاقتصادى، فهى فى المرتبة 146 من بين 187 دولة على مؤشر التنمية البشرية، حسبما أكد تقرير البنك الدولى.عام 2014.


وتواجه باكستان سنويًّا عجزًا كبيرًا فى تأهيل حوالى 1.5 مليون شاب باكستانى وتزويدهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل، وفضلًا عن حاجتها إلى الاستثمار فى الموارد البشرية، فهى بحاجة لتوفير بيئة أعمال تتوافق مع استغلال الموارد البشرية.


البرازيل
يبلغ عدد سكان البرازيل نحو 214 مليون نسمة، ويُعد الاقتصاد البرازيلى سابع أكبر اقتصاد فى العالم، والبرازيل عضو فى مجموعة بريكس، وكانت واحدة من أسرع الاقتصادات الكبرى نموا فى العالم حتى عام 2011.


وتحتل البرازيل المرتبة السابعة فى العالم من حيث عدد السكان، ويعيش فيها ما يقرب من نصف سكان أمريكا الجنوبية، وقد انخفضت نسبة النمو السكانى السنوى بالبرازيل من نحو 3% فى مطلع ستينيات القرن العشرين الميلادى إلى ما يقرب من 2% فى مستهل التسعينيات، ووصلت نسبة عدد السكان الذين تبلغ أعمارهم أقل من 15 عامًا بالبرازيل إلى حوالى 35%.


ويعيش ما يقرب من 80% من السكان ضمن نطاق طوله حوالى 320 كم من ساحل المحيط الأطلسى، وعلى النقيض من ذلك يعيش حوالى 7% من السكان بإقليم الأمازون فى الشمال الغربى، وشمال وسط البرازيل، لا توفر المدن الساحلية فرص العمل للكثير من السكان، فظهرت البطالة والازدحام ومشكلات أخرى فى كثير من أرجاء البلاد.


واستفادت البرازيل من الزيادة السكانية، وخلال مبادرات التصدى للفقر، تمكنت البرازيل من تحسين الأوضاع الاجتماعية لمواطنيها من خلال توفير حد أدنى من الدخل الثابت لنحو 45 مليون مواطن برازيلى.


إندونيسيا
يبلغ عدد سكان إندونيسيا حاليًا ما يقرب من 280 مليون نسمة، وهى أكبر بلد إسلامى من حيث عدد السكان، وبرغم أن الاقتصاد الإندونيسى يحتل المكانة الأولى كأكبر اقتصاد فى جنوب شرق آسيا، والرابع آسيويا بعد كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ويحتل المركز السادس عشر على مستوى العالم.


لكن الزيادة السكانية تمثل تحديا للحكومات الإندونيسية أمام محاولاتها للحفاظ على وحدة إندونيسيا، والتأكيد على قومية المشكلة السكانية، وعلى ضرورة اعتبارها من المشكلات الحاكمة التى لا يمكن قصر مسئولياتها على قطاع أو وزارة بعينها، بل تقع المسئولية على كافة الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية وغير الحكومية، من خلال الحد من الزيادة الطبيعية للسكان، وتفعيل إقبال السكان على استعمال وسائل تنظيم الأسرة، والقضاء بشكل مستمر على الشائعات التى تؤثر على انتشار هذه الوسائل.


وبالرغم من وجود خلل فى توزيع السكان فى إندونيسيا، لكن ارتفاع عدد السكان لم يشكل عائقًا أمام عملية التنمية الاقتصادية، بل استفادت الحكومات المتعاقبة من عدد السكان الكبير فى خلق سوق محلية ضخمة؛ لزيادة دوران حركة رأس المال، وحماية المنتجات الإندونيسية من تبعات الأزمة الاقتصادية، حيث استفادت إندونيسيا من الكثافة السكانية كقوة بشرية فاعلة فى نموها الاقتصادى.

 

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية