رئيس التحرير
عصام كامل

خطوة إلى الخلف.. هل تتراجع الصين عن الشراكة مع روسيا أم تندفع لحرب باردة مع واشنطن

واشنطن وموسكو وبكين
واشنطن وموسكو وبكين

تبحث الصين عن مخرج لحالة الوضع بين مصالحها الإستراتيجية مع روسيا ومصالحها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في معادلة باهظة من الممكن أن تدخل العالم في أتون حرب باردة جديدة بين القوى العظمى الاقتصادية. 

 

روسيا والصين 

فمثلت الحرب الروسية الأوكرانية تحديًا للنظام العالمي القائم على القطب الأوحد المتمثل في الهيمنة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. 


ومع دخول الحرب الروسية الأوكرانية يومها الـ100 كشفت تقارير تراجع الشراكة بين موسكو وبكين المنافس الأكبر لفض الهيمنة الأمريكية وخلق عالم جديد متعدد الأقطاب.

 
وكشف تقرير إخباري، إن الصين تشعر بالانزعاج الشديد إزاء المطالب الروسية المتكررة بالحصول على دعم من بكين، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية الواسعة المفروضة على موسكو.


وذكر التقرير الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» اليوم الجمعة، أن المسؤولين الروس «قدموا مطالب يغلب عليها الإحباط من أجل الحصول على المزيد من الدعم خلال مباحثات مع بكين خلال الأسابيع القليلة الماضية».


وأضافت الصحيفة أن «الروس طالبوا الصين بالوفاء بتأكيدها على الشراكة بلا حدود، والتي أُعلن عنها قبل أسابيع على غزو أوكرانيا».


ونقلت عن مسؤولين صينيين وأمريكيين قولهم إن «القيادة الصينية ترغب في تعزيز الدعم إلى روسيا، دون أن يتعارض مع العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، التي تضع حدودا لما تستطيع فعله».


وتابعت الصحيفة: «ضغطت روسيا على الصين في مناسبتين على الأقل كي تقدّم لها أشكالًا جديدة من الدعم الاقتصادي، في مباحثات وصفها مسؤول صيني بأنها كانت متوترة، حيث تحدث مسؤولون عن هذا الأمر شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، في ظل حساسية الموقف».


وأشارت إلى أن «المسؤولين رفضوا تحديد المطالب الروسية».

 

غزو أوكرانيا 

وقال أحد المسؤولين إن هذه المطالب «تتضمن التزامات تجارية تعود إلى ما قبل تاريخ غزو أوكرانيا، 24 فبراير الماضي، إضافة إلى الحصول على دعم مالي وتقني يخضع الآن إلى عقوبات من الولايات المتحدة ودول غربية».


ونقل التقرير عن مصدر مطلع في بكين قوله: «أوضحت الصين موقفها من الموقف في أوكرانيا، ومن العقوبات غير القانونية المفروضة على روسيا، نتفهم موقف موسكو، ولكننا لا نستطيع تجاهل موقفنا في الحوار، وسوف تتحرك الصين دائما بما يخدم مصالح الشعب الصيني».


ورأت «واشنطن بوست» أن «الصين في مأزق، حيث تسعى لمساعدة أهم شريك إستراتيجي لها في حرب لم تتوقع بكين أن تستمر حتى تدخل شهرها الرابع».


وأضافت نقلًا عن مسؤولين صينيين وأمريكيين أن «الرئيس الصيني شي جين بينج طلب من مستشاريه المقربين إيجاد طرق لمساعدة روسيا ماليا دون انتهاك العقوبات».


وقال مسؤول أمريكي للصحيفة: «هذه مهمة صعبة، وفي نفس الوقت فإن هذا غير كافي من وجهة النظر الروسية».


وأضاف: «حاولت الصين إيجاد طرق أخرى دبلوماسيا وعبر التدريبات العسكرية المشتركة، والتي كان آخرها إرسال الصين وروسيا قاذفات إستراتيجية فوق بحر اليابان وشرق بحر الصين، بينما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن في طوكيو، مختتما رحلته الأولى إلى آسيا».


وكانت هذه أول تدريبات عسكرية مشتركة بين البلدين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وتشير إلى الشراكة الإستراتيجية المتنامية بين موسكو وبكين.

 

الأهداف متناقضة 

وذكر مسؤول أمريكي آخر: «ما تحاول الصين فعله أن تكون إلى جانب روسيا، وتشير إلى الحياد علانية، ولا تتعرض للخطر ماليا، العديد من تلك الأهداف متناقضة، ومن الصعب للغاية الوفاء بها في نفس الوقت».


وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن «روسيا لم تطلب أسلحة أو ذخائر، لدعمها خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا، بحسب مسؤولين صينيين، ولكنهم رفضوا التعليق حول ما إذا كانت موسكو قد طلبت مواد أخرى يمكن استخدامها في العمليات العسكرية مثل التقنية والإمدادات».


وأردف تقرير الصحيفة الأمريكية أن «الصين امتنعت عن مساعدة روسيا في التهرب من العقوبات، خوفا من أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد يعزلون بكين عن التكنولوجيا الضرورية، بما في ذلك أشباه الموصلات ومعدات الفضاء، وكذلك استهداف نظامها المالي».


«وتراجعت شحنات التكنولوجيا الصينية المتطورة إلى روسيا، بما في ذلك الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة ومعدات الاتصالات منذ بدء الحرب في أوكرانيا»، بحسب المصدر ذاته.


غير أن المصالح الإستراتيجية بين الصين وروسيا هي العامل الأكبر في سياسة الدعم المشترك لإزاحة الهيمنة الامريكية خاصة مع الحرب الاقتصادية الدائرة بين واشنطن وبكين بالتزامن مع حرب روسيا وأوكرانيا. 

 

فيما حذرت مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية من اندلاع حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بسبب سياسات إدارة الرئيس جو بايدن والتي تواجه تحديات كبيرة في بناء تحالف ضد بكين.

 

حرب باردة بين الصين وواشنطن 

وأشارت المجلة في تقريرها، إلى أن واشنطن تتجه بتلك السياسة نحو حرب باردة مع الصين، وأن ذلك قد يؤدي إلى تسريع انحدار الولايات المتحدة.

 

وكتبت المجلة في تقريرها: «تواجه إستراتيجية إدارة جو بايدن للتوافق بشكل أوثق مع الحلفاء والشركاء من أجل مواجهة الصين تحديات خطيرة.. والحقيقة أن إدارة بايدن تبالغ في تقدير قوتها ونفوذها لتنظيم تحالف في مواجهة الصين».

 

عالم متعدد الأقطاب

ولفتت المجلة إلى أن الولايات المتحدة توقعت في ذروة قوتها من حلفائها وشركائها أن ينسجموا بهدوء مع رؤيتها المفضلة للنظام العالمي، مضيفة أن العالم متعدد الأقطاب يمنح اليوم هؤلاء الحلفاء المزيد من الخيارات الإستراتيجية ويقلل من نفوذ واشنطن عليهم.

 

واعتبرت المجلة أن حلفاء الولايات المتحدة يفضلون البقاء على علاقة جيدة مع كل من بكين وواشنطن، واعتبار الصين كشريك تجاري والولايات المتحدة كشريك أمني.

 

وأضافت المجلة: «ولكن كما قال وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، السياسة الخارجية هي السياسة الاقتصادية، والسياسة الاقتصادية هي السياسة الخارجية؛ تحتاج واشنطن للعودة إلى اللعبة التجارية إذا كانت تريد منح دول المنطقة حوافز لمواجهة النفوذ الصيني».

 

الإنفاق العسكري 

وتابعت المجلة: «يجب علينا أيضًا أن نولي مزيدًا من الاهتمام لما تفعله الدول، وليس مجرد ما تقوله»، لافتة إلى أن القادة الإقليميين يعربون مرارا عن قلقهم المتزايد بشأن النوايا الصينية، لكن الإنفاق العسكري الدفاعي من قبل هؤلاء الحلفاء والشركاء لا يزال ضعيفًا.

 

وأشارت المجلة إلى أنه حتى اليابان وأستراليا، وهما من أكثر المنتقدين الإقليميين للصين، تنفقان على التوالي 1.3% و2.09% من ناتجهما المحلي الإجمالي على الدفاع سنويًّا، مقارنة بأكثر من 3% من الناتج المحلي في الولايات المتحدة، مضيفة أن حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها يمتلكون قدرات عسكرية محدودة لتعزيز الردع؛ ما يلقي بظلال من الشك على استعدادهم لوضع مواردهم لدعم المبادرات الدفاعية التي تقودها الولايات المتحدة.

البيت الأبيض 

وتابعت المجلة: «مع ذلك، فإن البيت الأبيض يريد إلزام الولايات المتحدة بحرب باردة جديدة مع الصين، وعلى الرغم من أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن كان سريعًا في تبديد هذه الفكرة، إلا أن استراتيجية البيت الأبيض تجاه الصين تهدد بإثارة تلك الحرب».

 

وختمت المجلة بالقول، إن «الاستراتيجية تتطلب نظرية تربط الوسائل بالغايات ومن خلال التعامل مع المنافسة كوسيلة، وليس سمة مميزة لعلاقات القوى العظمى، وتتجنب استراتيجية إدارة بايدن تجاه الصين أي حلول وسط؛ وهذه الاستراتيجية تستند إلى الاعتقاد الخاطئ بأنه إذا صعدت واشنطن الضغوط فيمكنها كسب السباق، لكن الفشل في التصالح مع العالم كما هو، سيؤدي بشكل مأساوي إلى تسريع الانحدار الأمريكي».

 

ليبقى العالم يحبس أنفاسه مترقبًا بقلق الطريق ما ستمخض عن صراع القوى العظمى والتي دخلت في معركة كر وفر لن تحسمها سوى الأيام.

الجريدة الرسمية