رئيس التحرير
عصام كامل

كلاكيت تاني مرة.. محاكمة وكيل وزارة ميت

كثيرًا ما تحدث وقائع نادرة وغريبة لا تخلو من الطرافة، لكنها تتكرر للمرة الثانية.. ومن هذه الوقائع الطريفة إحالة موظف للمحاكمة التأديبية بعد وفاته بأكثر من ثلاثة أشهر كاملة  نتيجة عدم استحضار صحيفة الحالة الوظيفية للموظف قبل إحالته مباشرة للمحاكمة وإيداع أوراق القضية سكرتارية المحكمة، إذ لو كان هذا قد حدث، وتم طلب الصحيفة قبل إيداع الدعوى مباشرة، لكان قد تبين وفاة الموظف، وانقضاء الدعوى لوفاته.


ولا ينبغي أن نغفل الضرر النفسي الذي يلحق بأسرة المتوفى المحال للمحاكمة التأديبية بعد وفاته بأشهر، فبعد أن صعدت روحه، واستقر جسده في مثواه، يصلهم إخطار بتحديد موعد جلسة المحاكمة، فتتجدد الشجون والآلام، وتثور الشكوك حول مسلك رب الأسرة، هل كان مجرمًا؟، هل اكتسب أمواله من حرام؟، وغير ذلك من الأسئلة الحائرة التي تُبقيهم في خزي وألم غير مبرر.

 

فقد راعى المشرع تلك المشاعر، ولكن تأبى الإجراءات الجافة أن تُراعيها، وقد يتصل علم الجيران والأقارب بالواقعة فتتحرك الاتهامات ويدور الغمز واللمز، فيا تُرى من السبب؟

 

الوفاة سببًا وحيدًا

 

ومن المقرر في قانون العاملين المدنيين بالدولة، وقانون الخدمة المدنية الذي حل محله، أنه لا يمنع انتهاء خدمة الموظف لأي سبب من الأسباب عدا الوفاة، من محاكمته تأديبيًا إذا كان قد بُدئ في التحقيق قبل انتهاء مدة خدمته، أي أنه جعل من الوفاة سببًا وحيدًا لعدم الإحالة للمحاكمة، رغم أن بعض حالات انتهاء الخدمة قد يستحيل معها توقيع جزاء على المخالف، وهنا كان لا بد لنا من وقفة مع حالة لم تحدُث من قبل إلا مرة واحدة، فماذا حدث؟


كانت النيابة الإدارية قد أقامت الدعوى رقم 107 لسنة 63 قضائية عليا بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة بتاريخ 27/6/2021، مشتملة على ملف التحقيقات في القضية رقم 237 لسنة 2021 تفتيش فني، وتقرير اتهام ضد المحال (متوفي) رئيس القطاع القانوني بإحدى شركات التنمية والتعمير بدرجة (وكيل وزارة) بناءً على طلب إدارة التفتيش الفني بوزارة العدل.


وتحددت لنظر الدعوى أمام المحكمة جلسة 4/ 8 / 2021، وبها قدمت النيابة الإدارية حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من شهادة وفاته إلى رحمة الله تعالى الثابت بها تحقق الوفاة بتاريخ 2 / 3/ 2021، وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم.


تقرير الاتهام

 

وبعد إطلاع المحكمة على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا قالت إن النيابة الإدارية تطلب محاكمة المحال تأديبيًا عما نسب إليه من مخالفات طبقًا للقيد والوصف ومواد القانون الواردة تفصيلًا بتقرير الاتهام.


والمقرر أن وفاة الموظف المحال للمحاكمة التأديبية إنما تُفضي إلى وجوب عدم الإستمرار في إجراءات محاكمته، أيا كانت المرحلة التي بلغتها، وذلك بالحكم بانقضاء المسئولية التأديبية قِبَلَه، سواء كان ذلك أمام المحكمة التأديبية المختصة أو أمام المحكمة الإدارية العليا، وذلك إعمالًا لأحد المبادئ الأساسية للنظام العقابي المتمثلة في شخصية العقوبة، فلا تجوز المساءلة إلا في مواجهة شخص المتهم، وهو ما يستلزم بالضرورة كونه على قيد الحياة حتى يُسند إليه الاتهام أو تُنزل عليه العقوبة.


لذا لا يغدو للقول بانقطاع سير الخصومة محل، وإنما تنقضي الدعوى التأديبية في حق الموظف المحال طالما لم يُبَت في أمره بحكم بات يتجلى بموجبه الحق وتنتهي به المحاكمة إدانة أو إبراءً، كما أنه من المقرر أن الخصومة القضائية إنما هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الادعاء لدى القضاء أو بالالتجاء إليه بوسيلة الدعوى أو الطعن.
 

وقد حدد القانون إجراءات التقدم بهذا الإدعاء الذى ينبني عليه إنعقاد الخصومة، وهي التي تقوم على اتصال المدعى بالمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى أو الطعن وتكليف المدعى عليه أو المطعون ضده بالمثول أمامها لكونها علاقة بين طرفيها من جهة وبينهما وبين القضاء من جهة أخرى.

 

الخصومة القضائية

 

فإذا لم تكن ثمة دعوة من أحد الطرفين للآخر إلى التلاقي أمام القضاء، أو لم يكن لأحد الخصمين أو كليهما وجود فلا تنشأ الخصومة القضائية ولا تنعقد، إذ أن الخصومة لا تقوم إلا بين طرفين من الأحياء، فلا يصح اختصام ميت، ولا تنعقد الخصومة في مواجهته، ويترتب على اختصامه بطلان صحيفة الدعوى أو تقرير الطعن.

 

وبناء على ما تقدم، ولما كان الثابت بالأوراق أن المحال قد توفي إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 2/3/2021، أي في تاريخ سابق على إيداع أوراق الدعوى الماثلة الحاصل بتاريخ 27/ 6/ 2021، فقد أقيمت والحال كذلك ضد من لم يعد له وجود واقعًا، غير منعقدة في مواجهته الخصومة القضائية من الأساس، مما يُبطل قرار إحالته إلى المحاكمة، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لبطلان قرار إحالة المحال، لوفاته قبل إقامة الدعوى.

 


وكانت المرة الأولى التي أحيل فيها "متوفي للمحاكمة" القضية رقم 94 لسنة 63 قضائية التي تم إيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية، بتاريخ 18 أبريل 2021، رغم كون أحد المحالين قد توفى بتاريخ 8 يونيه 2020، فأقيمت والحال كذلك ضد من لم يعد له وجود، مما يبطل قرار إحالته إلى المحاكمة، وهو ما قضت به المحكمة في شأنه.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية