سجن نهايات العمر!! (1)
العمر ليس سنوات وأيام وساعات تكتب في شهادات الميلاد لكن مراحل عمرية وأحداث وحكايات.. أصحاب وأصدقاء ومعارف.. معارك كبيرة وصغيرة.. انتصارات وهزائم.. مدارس وجامعات.. مكاتب ومصانع وأماكن عمل.. عبادة ومساجد وكنائس.. بيوت وشوارع.. أزقة وحوارى وميادين.. نواد ى ومقاهى.. صمت وهدوء.. صخب ودوشة.. فنون وحياة.. سينما ومسرح وموسيقى وغناء وفنون تشكيلية.. الخ
طعم البيوت في الشوارع.. طعم الشوارع بيوت
الخطو طالع وراجع.. بيتولد ويموت
علي الطريق وش غربة.. وخطو مالوش صاحب
والوقت ميت في تربة.. والتربة ما ليها صاحب
تتساقط الأقنعة والأصدقاء
غرقت في رباعيات شاعرنا الراحل الذي لم يأخذ حقه حتي الآن مثله مثل الكثيرين الذين لم يصنعوا لأنفسهم جوقة تنشد لهم وتملأ الدنيا صخبا حولهم..أقصد الشاعر الراحل عبد الرحيم منصور. وسبب احتمائي به أنني شعرت منذ فترة أنني وقعت في الأسر مع آخرين لا أعرفهم.. هل تشعر مثلي بأن الدنيا تضيق حولك؟.. وهل تشعر مثلي بأنك أسير وراء سجن بقضبان لا مرئية لا تستطيع الفكاك منها بعد أن هدك الوجع والزمن؟
تتساقط الأقنعة ويتساقط الأصدقاء ورفاق العمر والأحباب والأقارب والمعارف الواحد وراء الآخر.. الدنيا بتفضى من حولى.. من كنت تحتمى بالونس معهم يرحلون بلا سابق إنذار.. ومن يبقى يصارعون المرض والحزن وما تبقى من أنفاس حياة، تلجأ لمن إذا سقط السند؟ تشكو لمن إذا ماتت القلوب؟ تذهب لمن والكثيرون غيروا عناواينهم؟
تحويشه العمر من الأصحاب والأحباب تضيع أمامك وأنت عاجز عن فعل أى شئ.. العقد تنفرط حباته يوما بعد يوم لتشعر أنك وحيدا في برد وصقيع. في بيتك أولاد يرطنون بلغة لا تفهمها ومفردات إقتصت من سياقها اللغوى الذى تربيت عليه لسياقات غريبة.. مشاعر غريبة عنك واهتمامات بعيده عنك وقيم ومبادئ ليست لك.. عنف لفظى وسلوكيات مستقاة من عالم النت والدراما وهبد ورزع يسمى غناء..غريب أنت في بيتك مع ناس غرباء لا يجمعهم سوى شبكة "واى فاى" وعالم إفتراضى ليس لك ولست من أبطاله ولا مكان لك فيه.. أنت غريب وهم غرباء!
تسير في الشوارع تصدمك وجوه لاتعرفها ولاتجد لها طريقا.. ألفاظ غريبة ولهجة لا تستريح لها الأذن.. كل شيء غريب عنك.. أنت غريب وهم غرباء! أسير أنا وحبيس وراء القضبان مع جلال أم كلثوم وفخامة محمد عبد الوهاب والفجر الذي لايطلع له شمس فيروز ودلع شادية وحنية فايزة وصدق عبد الحليم حافظ وشبابيك محمد منير وحلاوة علي الحجار ومن يدور في زمانهم..
غريب في الشارع
تنطلق دوشة يقولون عنها عفوا أغانى.. وخبط ورزع –عفوا- يقولون عنه موسيقى.. إستبدلوا الرومانسية بقلة الحياء.. أشعر بالكسوف من بعض الألفاظ ويرددها أطفال السابعة باعتياديه.. أنت غريب وهم غرباء!
أسير بينهم وأنا وحبيس وراء قضبان موسيقي ونغمات رياض السنباطي ومحمد القصبجي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل ومن يدور في موسيقاهم.. وحولى يرقصون رقصة الذبيح وهبد ورزع وصراخ، غريب أنا في الشارع وفى دوشته وناسه.. أنت غريب وهم غرباء! آه يا عم عبد الرحيم منصور:
سيبوني أمشي لوحدي.. سيبوني أتوه عريان
الدنيا توب علي قدي.. يوما أطقش أنا الغطيان
أسير أنا وحبيس وراء قضبان تماثيل وأعمال ولوحات محمود مختار والسجيني إلي محمد العلاوي ولوحات سعيد ومصطفي الرزاز ومن يدورفى فلكهم ومع ريشتهم وأزميلهم! وحولى قبح لونى وفجاجة مشاعر وميادين ونفوس هجرت وخاصمت الجمال، أنت غريب وهم غرباء!
أسير أنا وحبيس وراء القضبان مع آهات بيرم التونسي ومسحراتي فؤاد حداد ورباعيات صلاح جاهين ووجوه علي شاطيء عبدالرحمن الابنودي وصياد وجنية سيد حجاب ومرسي جميل عزيز وشباكنا ستايره حرير وحسين السيد وإجري إجري" ومن يبحر في بحور أشعارهم.
أسير أنا وحبيس وراء قضبان المتنبي وبؤس أبي العلاء المعري وأحمد شوقي وإمارة الشعر التي لم يجرؤ أحد علي الإقتراب من عرشه رغم رحيله منذ عقود طويلة وأطلال إبراهيم ناجي وأحلام الفارس القديم صلاح عبد الصبور ومدينة بلا قلب وأحمد عبدالمعطي حجازي ولاتصالح أمل دنقل وعطر النساء الساكن في نزار قباني وجرح فلسطين النازف في قلب محمود درويش ومن يسير علي دربهم.
أسير أنا وراء قضبان مدينة بلا قلب وأحمد عبد المعطي حجازي: يا عمّ.. من أين الطريقْ؟.. أين طريق السيدة؟.. أيمنْ قليلا. ثم أيسر يا بنَيىْ.. قال.. ولم ينظر إلي!.. وسرْت ياليلَ المدينة.. أرقرق الآهَ الحزينة.. أَجرّ ساقي المجهدة للسيدة
وأجدنى غريبا في عوالم يطلق عليها شعرية بعيدة عن وجدانى.. أنت غريب وهم غرباء!
