رئيس التحرير
عصام كامل

الثقافة هى سلاح المواجهة والبناء (1)

لا تنمية من غير البشر ولا بشر من غير تنمية، باختصار البشر أهم من الحجر لأنهم هم القادرون على عمل التنمية والأهم من صنعها الحفاظ على منجزاتها والاستمرار فى تنميتها، ولن يتم ذلك بدون الوعى المتمثل فى التعليم والثقافة والدين المستنير وأعتقد أن الثقافة هى الوعاء الأشمل الذى يضم كل أدوات الوعى، والسؤال هل العمل الثقافى الآن يؤدى لتحقيق الهدف؟

 

 الإجابة: لا، تعددت الأسباب لكن الإجابة واحدة بدون تزويق أو لف ودوران، الحكومة من وجهة نظرى أقامت وتقيم المنشآت ولكن هل تم منح الفرصة للقادرين على إدارة هذه المنشآت لتقديم خدماتها، وعلى فكرة ليست المنشآت ولا الفلوس هى العنصر الحاكم فى أي عمل ثقافى، الخيال والقدرة هما العنصران الفاعلين.. يعنى البشر.

 

 والسؤال هل يتم تمكين هؤلاء من قيادة العمل الثقافى ليحقق هدف الدولة فى التنمية؟ الإجابة أيضا وبالفم المليان لا.. إلا من رحم ربك، وعلى فكرة ما حدث وما يحدث فى مصر والعالم العربى من جهل وتطرف وعنف وتخلف أعتقد أن سببه الرئيسى هو تهميش الثقافة بالمفهوم الواسع للكلمة، الحرب مثلا على التطرف والإرهاب، تصر الدول على محاربته بسلاح الأمن فقط، وتتجاهل باقى الأسلحة المهمة الأخرى فى عملية المواجهة، أو بالأصح لا تولى باقى الأسلحة الاهتمام المطلوب حتى تضمن كسب المعركة بالضربة القاضية وتقضى على أسباب العرض والمرض من جذوره.

 

 العمل الثقافي

 

 نعم المعركة شرسة مع أعداء الداخل والخارج ويلزمها وجود أسلحة الإعلام والثقافة والتعليم على خط النار إلى جانب المواجهة المسلحة، والثقافة ليست أحد أسلحة المواجهة مع الإرهاب والتخلف فحسب، لكن باعتبارها الوسيلة المهمة لاقتلاع التطرف والإرهاب والتخلف من جذورهم.. نعم الثقافة مثل التعليم والصحة من الصناعات الثقيلة التى تحتاج لأموال طائلة ولا تظهر نتائجها إلا بعد سنوات، لكن لا مفر منها خاصة أننا لن نبدأ من الصفر لأننا نمتلك الكثير من المقومات لكننا نهدرها عن عمد أو بدون قصد، بالإضافة أن كل مليم سينفق "بجد"على الثقافة سيكون عائده بالمليارات بعد فترة.

 

 فى البداية علينا الاعتراف أن سبب البلاوى التى نعانى منها الآن هو تهميش العمل الثقافى وتسطيح الإعلام وإضعاف التعليم فى السنوات الماضية، والحكاية بدأت طوال السنوات الماضية ومنذ منتصف السبعينيات تقريبا وحتى وقت قريب، فرغم البنية الثقافية الضخمة التى تم إنشائها لكنها كانت حجر بلا بشر والأخطر من ذلك ترك الساحة خارجها سهلة لتيارات التطرف تزرع بذورها فى البيئة الاجتماعية الصالحة لهذه البذور، بعد أن تركتها الدولة ساحة جاذبة لهذه التيارات بالتخلى عن الوظائف الأساسية التى يريدها المواطن البسيط فى حياته اليومية..

 

 تركت الحكومات المساجد والكنائس لتتحول إلى مراكز صحية وتعليمية وإعلامية وثقافية من نوع خاص فى ظل أزمات اقتصادية طاحنة جعلت الخدمات الحكومية فى هذه المجالات شبه معدومة.. وهنا استغلت الجماعات الدينية الموقف وبدأت تبث سمومها مع هذه الخدمات لتكتسب أرضية تركتها الحكومات عن طيب خاطر أو بقصد.. المهم فى الثقافة تكمن الأزمة وتتجلى فى تقطيع الحبل السرى وأواصر التعاون بين وزارات التعليم والإعلام والثقافة والأوقاف والشباب حتى لو دبجت البروتوكولات.. وحتى لا نظل نبكى على اللبن المسكوب أتمنى دراسة هذه الاقتراحات:

 

 نشر الوعي

 

 أولا: إنشاء مجموعة وزارية خاصة بالوعى والتثقيف والتعليم على غرار المجموعة الاقتصادية مثلا، وتتكون هذه المجموعة من وزراء التعليم والثقافة والشباب والأوقاف وممثلين عن الإعلام بعد غياب وزاراته للأبد.. الخ ومن وزارات لها صلة مباشرة بالوعى العام للمواطن المصرى. وتكون مهمة هذه المجموعة وضع إستراتيجية شاملة تحدد فيها الواجبات والمسئوليات ويحاسب الوزير المقصر فى حال عدم تعاونه أو تقصير وكلاء ومديرى عموم وزاراته.. باختصار تعمل المجموعة الوزارية بمنطق وأسلوب خطة الحرب، المتقاعس فيها يحاكم بتهمة الخيانة العظمى!!

 

 ثانيا: الدعوة لمؤتمر ثقافى لوضع إستراتيجية عامة للعمل الثقافى ببنود واضحة المعالم ومحددة الأهداف وفترات التنفيذ بعيدا عن الجمل الإنشائية.

 

 ثالثا: بدء المواجهة ورفع حالة الاستعداد القصوى والنزول للناس فى كافة التجمعات الجماهيرية، فمثلما ذهبت الجماعات الدينية فى الماضى للناس فى أماكنهم علينا الذهاب للناس فى تجمعاتهم.. فى الشوارع والميادين.. فى المقاهى والنوادى.. فى المدارس والجامعات.. فى المساجد والكنائس.. فى المصانع والمتاجر.. هنا ستكون المواجهات الحقيقية وسلاحها الفكر والفن والإبداع.. هنا سلاح العقل والتفكير الذى يتقهقر أمامه جحافل التخلف والتكفير..

 

 ولن يتم ذلك بإمكانات هيئة واحدة مثل قصور الثقافة ولا بإمكانات وزارة واحدة مثل الثقافة أو الشباب ولكن بإمكانات الدولة المصرية ككل.. نعم بدأت وزارة الثقافة ممثلة فى هيئة قصور الثقافة التحرك بقوافل ثقافية فى الجامعات والمدارس وعلى المقاهى وغيرها، لكنها محاولات محدودة وغير مستمرة ولا ترقى لخطة عامة مستمرة يصل من خلالها النشاط الثقافى والوعى الفكرى إلى كل بقعة فى مصر.

 

 

 رابعا: وضع خطة عامة للترجمة إلى العربية حتى نقدم للقارئ العربى أحدث ما صدر فى العالم ويكون شرط الترجمة أن يكون العمل المترجم لم يمض على صدوره أسابيع أو شهور قليلة حتى نقضى على الفجوة المعرفية بيننا وبين الغرب، وحبذا لو تم التنسيق مع بعض الدول العربية مثل دول المغرب العربى والكويت والإمارات ولبنان التى لها باع وإمكانات فى هذا المضمار حتى نوحد الجهود لأن المستهدف هو المواطن العربى عامة.

  وللحديث بقيه عن سبل المواجهة.

  yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية