رئيس التحرير
عصام كامل

نهى حقي: هذا سر خلود أعمال والدي.. والعمل الجيد يعيش بكل الثقافات والعصور | حوار

 الأديب الكبير الراحل
الأديب الكبير الراحل يحيى حقي وابنته نهى

 

>> سعيدة باختيار والدى شخصية الدورة الجديدة لمعرض القاهرة للكتاب
>> يحيى حقى كان من المؤمنين بأن الأديب يأخذ القارئ لعالمه وليس العكس
>> كُتاب العصر الحالى أوفر حظًّا من سابقيهم بسبب التطور التكنولوجى والمعلوماتى 
>> فى كتابه "من فيض الكريم" تشعر بنزعة صوفية وحب لأهل البيت
>> لم يسمح يومًا لكتاباته بأن تنساق وراء موضة بعينها أو ذوق رائج لإرضاء شريحة أو فئة
>> بعض الأغاني الشعبية الآن  فقاقيع سرعان ما تنتهي
>> جدتى كانت تفتح المصحف وتسمى المولود بأول اسم تقع عليه عيناها


أعربت نهى حقى، كريمة الأديب الكبير الراحل يحيى حقي، عن سعادتها بإعلان معرض الكتاب فى دورته الجديدة عن اختيار والدها كشخصية العام للمعرض، منوهة فى حوار لـ"فيتو" إلى أن الحدث لم يكن جديدا، فكان من المقدر أن تتم تلك الاحتفالية فى الدورة السابقة للمعرض لولا إلغاء الفعالية نفسها بسبب تداعيات فيروس كورونا العام الماضى، ولكن يكفيها ما يكنه الأدب المصرى والعربى لوالدها الأديب الراحل.

وإلى تفاصيل الحوار:

 

*بداية.. ماسر خلود أعمال والدك الراحل؟

والدي وأقرانه من كبار الأدباء فى عصره أمثال: نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، توفيق الحكيم، يوسف إدريس، طه حسين، تعتبر أعمالهم الأدبية ممتدة حتى عصرنا الحالى، ويظهر ذلك فى بعض الكتابات التى تحولت فيما بعد لأعمال فنية، سواء سينمائية أو درامية، لأى من الكتَّاب السالف ذكرهم، فتجدها معبرة عن عصرها، وعند مشاهدتها كعمل فنى أو قراءتها كمنتج أدبى تراها متجسدة فى واقع العصر الحالى بشكل كبير، وهذا ما جعل تلك الأسماء محتفظة بقيمتها واسمها منذ بداية ظهورها وحتى بعد رحيلها بعقود، فبقيت كتاباتهم حية بيننا.


*من هم الأدباء الذين ترين أنهم امتداد لوالدك الراحل؟
كتابات والدى الراحل فتحت المجال أمام الكثيرين من الكتاب والمبدعين، وإن كان كتاب العصر الحالى أوفر حظًّا من سابقيهم، بسبب التطور التكنولوجى والمعلوماتى الذى يتيح سهولة الحصول على المعلومة، وكذلك تبادل الثقافات بضغطة زر واحدة، وهذا ما لم يكن متوفرًا لدى الأجيال السابقة.


*هناك من الكتاب من يركبون الموجة أو الذوق العام ليكتبون عنه، هل كان والدك سنتمى لهذا النوع من الكتاب؟
لا.. والدى كان من المؤمنين بأن الأديب من يأخذ القارئ لعالمه وليس العكس، فلم يسمح يومًا لنفسه أو كتاباته بأن ينساق وراء موضة بعينها أو ذوق رائج ليكتب عنه مراضاة لشريحة أو فئة، فكان ممن يحملون على عاتقهم الرقى بذوق القارئ للمستوى الأدبى والثقافى لا أن ينحدر هو بكتاباته لها، فكان دائما يقول إن الكاتب الجيد من يكتب عن أحاسيسه كما يجب أن تكون لا كما يجب أن يحب القارئ أن يقرأ.

*بعض الأعمال الأدبية تعيش طويلا، بل تشعرين أنها مكتوبة الآن.. هل ينطبق ذلك على أعمال والدك الأديب الراحل؟
العمل الجيد يفرض نفسه على الساحة ويعيش مهما مرت عليه السنوات والعصور والثقافات أو حتى تغيرت بوصلة القارئ وطريقة تناوله للمنتج الأدبى سواء كانوا من قراء الكتب الورقية أو حتى تلك النسخ الإلكترونية

 فالحياة بين الكاتب والقارئ سهلة وسلسلة ويستطيع الكاتب الجيد أن يذيب الثلوج بينه وبين متلقى منتجه الأدبى بالتطرق لحياته الإنسانية والاجتماعية، وكان ذلك جليًّا فى رواية «قنديل أم هاشم»، التى تجد تلك الثقافة التى تناولتها الرواية متجسدة فى واقع الحياة العصرية، كذلك المجموعات القصصية مثل: سارق الكحل، عنتر وجوليت، دمعة فابتسامة، كأن، امرأة مسكينة، الفراش الشاغر، فكلها أعمال تشعر وكأنها كتبت الآن، ففى عنتر وجوليت على سبيل المثال يرصد التباين بين حى بولاق والزمالك، اللذين يفصلهما كوبرى، ويوضح أن لكل مكان جماله، وإن اختلفت الأماكن.

 

*هل تؤمنين بالأعمال الأدبية التى تتناول السحر والشعوذة؟
هناك بعضًا من المنتجات الأدبية فى العصر الحالى لا أعترف بها كمنتج أدبى، كتلك الأعمال التى تتطرق للسحر والشعوذة والدجل، لما بها من مغازلة للقارئ وليس عصارة فكر أدبى كتلك التى كنت أرى والدى يسعى وراءها فى الكثير من الشوارع ويختلط من أجلها بكثير من الطبقات.

 

*يؤكد كثير من الأدباء أن المنتج الأدبى يحتاج منهم للعزلة، ما يؤثر سلبًا على حياتهم الأسرية والإنسانية والاجتماعية، هل كان والدك منعزلا؟
لا.. والدى كان اجتماعيا من الطراز الأول، فلم يكن أبًا لى أنا وحدى، ولكن رأيت فيه أبا ووالدا ومعلما لكل من طرق بابه، وكان كثير الانخراط مع الناس والثقافات، وإلا ما كان يخرج بموروثه الأدبى والثقافى ذي الطابع الاجتماعى.

 

*ماذا عن هوايات وميول والدك الفنية الأخرى؟
الفن بالنسبة له لم يكن يتجزأ بكل أشكاله وألوانه، فلم يبعده الجانب الأدبى عن الألوان الفنية الأخرى، فكان مستمعًا جيدًا للموسيقى بكافة ألوانها، من الكلاسيكية لفن الحجالة، وكذلك الموسيقى الشعبية، وهو الأمر الذى انعكس على أعمال له فى بعض الكتب مثل: "تعال معى إلى الكونسير"، الذى يمكنك أن تتعرف من خلاله على الموسيقى الكلاسيكية، ويشعرك كأنك تجلس فى حفلة تستمع إليها.

 

*هل كان والدك صاحب نزعة صوفية؟
فى كتابه "من فيض الكريم"، تشعر بنزعة صوفية وحب لأهل البيت، يجعلك تشعر بالراحة النفسية، واللون الشعبى وقتها لم يكن يقارن أو يشابه من قريب أو بعيد بذلك اللون الظاهر على الساحة الآن، 

فكان عاشقًا لأغانى (حسن يا خولى الجنينة – يا وابور الساعة 12 – بهية فى المحاكم)، وغيرها من الأغانى التى تترجم الحياة الإنسانية وقتها، ودليل نجاحها أنها مستمرة حتى الآن، على عكس ما يتم ترديده الآن على أنها أغان شعبية، وما هى إلا مجرد فقاقيع سرعان ما تنتهى.

*حدثينا عن الجانب الاجتماعى للأديب الراحل يحيى حقى؟
تزوج والدى مرتين، الأولى من والدتى، ففى عام 1942، قرر يحيى حقى الزواج، فجاءه زميل له أنبأه بأنه عثر له على فتاة من منطقة المعادى، اسمها نبيلة، وهى ابنة عبد اللطيف سعودى المحامى، عضو مجلس النواب بالفيوم وقتها، والتقى يحيى حقى بالفتاة، وتمت مراسم الخطبة فالزواج، وأنجبانى 

وتوفيت والدتى بعد الولادة بشهر واحد، وبعد عشرة أشهر من زواجهما، وظل وفيًا لذكراها لعشر سنوات كاملة حتى عام 1954، حيث تزوج للمرة الثانية من الفنانة التشكيلية الفرنسية (جان ميرى جيهو) وظلا معًا إلى مرحلة الشيخوخة حتى وافته المنية عام 1992.

*ماهى تفاصيل معيشتك داخل منزل يجمع ما بين ثقافتين مختلفتين المصرية والفرنسية؟
كان هناك تناغم لا أشعر معه بأن هناك زوجين من ثقافتين مختلفتين، ربما يكون أحد الأسباب هو أن زوجة أبى من منطقة ريفية فى جنوب فرنسا، فكان مزاجها قريبا منا، ولكن من الأسباب أيضا أنها فنانة تشكيلة، وأبى كاتب ومفكر، فكان بينهما تفاهم واضح، حتى فى الاختلاف الدينى والعقائدى بينهما، فلم أشعر فى بيت أبى بأن هناك مشكلة، فهو كان يحترم عقيدتها، وهى كانت تحترم عقيدته.


فكانت فى شهر رمضان تتجنب الشرب أو الأكل أمامنا، وكانت تجمعنا مائدة واحدة وقت الإفطار، كما أن والدى كان متأثرا جدًّا بحى السيدة زينب رغم سفرياته المتعددة بحكم عمله الدبلوماسى، والتى تنوعت بين السعودية وتركيا وإيطاليا وليبيا وفرنسا، وترتيبه هو الثالث بين إخوته

وجميعهم يحملون أسماء أنبياء الله، فقد كانت جدتى سيدة شديدة التدين ومع مولد كل طفل تفتح القرآن الكريم وأول اسم تقع عيناها عليه يكون هو اسم المولود، وأنجبت إبراهيم وإسماعيل ويحيى وزكريا وموسى وفاطمة، وعند ميلادى فتحت المصحف على آية "لأولى النهى" ولذلك سميت نهى.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"…

الجريدة الرسمية