رئيس التحرير
عصام كامل

جابر الخواطر

كان المشهد مؤثرا والرئيس يسارع ويحمل كرسيا لتجلس عليه فتاة من ذوي الهمم، وكان تصرفه طبيعيا بدون افتعال ليعيد نفس المشهد وهو يحمل طفلة ابنة شهيد تعلقت به وهو يحتضنها، وحاولت أمها انتزاعها ولكن الرجل أصر وظل يحملها وهو واقف وسط عائلات الشهداء صباح يوم العيد محتفلا معهم بالعيد، وهو نفسه الذي يحنو علي البسطاء ويحقق لهم أحلامهم في مسكن آدمي وفرصة عمل شريفة وهو نفسه الذي يترفق في التعامل مع كبار السن، فيأخذ بأيديهم بحنو وإحترام، وكثيرا ممن التقوا به منذ أيام يناير في الجلسات التي كان يعقدها المجلس العسكري مع المفكرين والنشطاء يعرفون قيمة الرجل وأدبه وتهذيبه في التعامل وعقلة المرتب واختياره بدقة لألفاظه..

 

 بمعني أن الرجل لم يتغير مع المناصب وخاصة في سلوكه الإنساني، وهو ما بدا منذ البداية في مشهد استقبال بعض المصريين العائدين من الخطف في ليبيا  في المطار، وهو يطلب ممن حوله تزويدهم بملابس ومبلغ من المال يدخلوا به علي عائلاتهم، وهذه تصرفات فطرية من رجل عرف بيقين معني جبر الخواطر..

 

دموع الرئيس

 

في عام ٢٠١٥ قال الرئيس السيسي: "أنا لا رئيس ولا زعيم ولا قائد، أنا واحد منكم"، ولهذا لم يفاجئنا الرئيس السيسي بدموعه، أثناء حضوره لاحتفالية قادرون باختلاف، وكأنها تعبر عن سيكولوجيته وعواطفه الجياشة وبنائه النفسي الفياض بالمشاعر الإنسانية النبيلة، فبكاء الرئيس يعطينا مؤشر بأنه إنسان رقيق الحس ومرهف المشاعر، يعيش بقلب نابض مليء بالحب والإيثار والإحساس بالآخر، وتواد وتراحم، ويحمل كل القيم الإنسانية النبيلة..

 

فالدموع دلالة على رقة القلوب وخشوعها، صادقة الفعل والعمل، دموع أب مغلفة بمشاعر العطف والتلاحم، مع أبناءه من ذوي الهمم ولهذا حبس الرئيس عبد الفتاح السيسي دموعه أثناء احتفالية "قادرون باختلاف" لأصحاب الهمم وذوي القدرات الخاصة، وذلك أثناء إلقاء أحد الأطفال من ذوي القدرات الخاصة الشعر. وكذلك انهمرت دموع الرئيس السيسي تأثرا بسيرة الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم في ندوة القوات المسلحة ٣٣،  كما تأثر الرئيس السيسي بالعرض المسرحى الذى تم تقديمه بأكاديمية الشرطة خلال إحتفال عيد الشرطة الـ 69، والذى شارك فيه عدد من أبناء شهداء الشرطة. وأثناء كلمة الرائد صلاح الحسينى، مصاب الشرطة، الذى فقد ذراعه الأيمن أثناء إنقاذ طفلة من تفجير. وقال الرائد صلاح حسنى، أمام الرئيس، أنه سيحمى مصر بذراعه الأيسر، بعد أن فقد الأيمن.

 

وجبر الخواطر يعني فيما يعنيه تثبيت الآخر ورفع همته وتهوين مصيبته وإقالة عثرته والأخذ بيده حتى يقف على قدمه.. والخاطر ما يرد على القلب أو النفس من رأي أو معنى أو فكرة، ثم أطلق على القلب على سبيل المجاز.. جبر الخواطر هو خلق من أخلاق الإسلام، يدل على سمو النفس، ولطف القلب، ورجاحة العقل؛ فأقوال جبر الخواطر يجبر الإنسان بها نفوسًا قد كسرت وقلوبًا تحطمت وأجسامًا أنهكتها الحياة، كما تساند أقوال في جبر الخواطر أشخاص قد فقدوا أرواحا تعز عليهم.

 

 

ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية بهذا الخلق أيما اهتمام حتى جعلته من باب العقيدة والتشريع والخلق على السواء، فشرعت استحباب التعزية لأهل الميت؛ لتسليتهم ومواساتهم وتصبيرهم وتطيب خواطرهم على فقد ميتهم. وكذلك جاء الشرع بإقرار الدية في القتل الخطأ؛ لجبر نفوس أهل المجني عليه وتطييبًا لخواطرِهم. ويقال إن الله إذا أحب عبدا جعل فيه من صفاته الرحمة والمغفرة والتقوى​ ​والإيمان  والحب والعطاء​ ​والوفاء والكرم والتواصل  والبر  والتجاوز عن الغير.

الجريدة الرسمية