رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى أمين يكتب: عرفته أول الطريق

فيتو

طالب الكاتب الصحفى مصطفى أمين بعمل اكتتاب عام فى جميع البلاد العربية تجمع حصيلتها لإنشاء مسارح كبرى باسماء العمالقة محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ تخليدا لهم وتكريما لمشوارهم فى خدمة الفن. 

فى كتاب "مسائل شخصية " للكاتب الصحفى مصطفى أمين الذى تضمن فصولا مختلفة عن الفنانين العمالقة فى مصر فاتن حمامة وعبد الوهاب وان كلثوم وكامل الشناوى والتابعى وغيرهم .. وفى فصل عن المطرب الفنان عبد الحليم حافظ بعد رحيله كتب يقول :

دخل مكتبى فى اخبار اليوم شاب صغير متواضع وقال انا عبد الحليم حافظ وكان حجمه الصغير يخفى عمره وقال جئت اطلب مشورتك ماذا افعل لأنجح؟ كان عبد الحليم صديقى ، عرفته فى اول الطريق وهو مبتدئ ، واعجبت به لانه كان مكافحا وكان يريد ان يتعلم ويستفيد من تجارب الاخرين ،قلت له لاتقلد احدا ، كن عبد الحليم حافظ فقط فكل من قلدوا عبد الوهاب ماتوا .

وتصورت انى قدمت له اعظم نصيحة واذا بى اكتشف انى قدمت له مصيبة ..فحين تعاقد معه المتعهد صديق احمد على ان يغنى ثلاثين ليلة بالمسرح القومى بالاسكندرية ووقف يغنى (ياحلو ياسمر وصافينى مرة ) واذا بالجمهور يصيح طالبا أغانى عبد الوهاب ورموه بالبيض والطماطم ،ونزل عبد الحليم من على المسرح وهو يبكى لكنه لم ييأس .

انه جاءنى ذات يوما حزينا بائسا يريد اعتزال العمل الفنى لان الناس يشتمونه وينتقدونه ويهاجمونه بالرغم من مرضه . لم اتركه يسترسل فى ابداء الاسباب التى دفعته لقول ذلك وقلت له ان هذه الشتائم التى توجه لك هى المدافع التى تضرب وتنطلق ابتهاجا بمولد نجم جديد .

حرص عبد الحليم على ان يكسر تقاليد غناء الرجال فكان اول مطرب يغنى واقفا فكل الذين سبقوه يجلسون على كرسى ويمسكون العود حتى لو لم يجيدو العزف عليه ، كما أدخل عبد الحليم الحركة على المسرح يغنى ويتجرك ويعزف على الرق او الناى لدرجة ان عبد الوهاب كان يقول (الواد ده ناقصه يجيب سندوتش وياكله على المسرح) شئ آخر هو اننى كنت دائم الشجار معه الانه لم يعتنى بصحته ونصحه الاطباء بضرورة اعطاء جسمه قسط من الراحة والنوم .

كان يأتى الى بيتى نسهر مع الاصدقاء عبد الوهاب وكامل الشناوى وعلى امين وموسى صبرى وكمال الطويل ومجدى العمروسى وأنيس منصور وكمال الملاخ وسعيد سنبل وجليل البندارى وعدد كبير من الكتاب والصحفيين والادباء ، وكنت فى تمام العاشرة مساء اطلب منه ان يترك مجلسنا وينزل الى بيته لينام .

كان احيانا يوافق ويترك مجلسنا وهو كاره واكتشفت انه لم يذهب الى بيته بل يتوجه الى كافيتيريا هيلتون للسهر حتى الرابعة صباحا ، ولما كنت اسأله يقول :أخاف من السرير ففى كل مرة اشعر وانا اضع جسمى على السرير انى لن استطيع القيام مرة اخرى ولذلك اتفادى دخول السرير لآخر وقت .

عبد الحليم كان ذكيا جدا وذكاؤه هو ذكاء الفلاح الذى لا يمكن الضحك عليه بسهولة وهذا لا يمنع انه كانت تحدث خلافات بينه وبين اصدقائه ن فمثلا خلافات مع كامل الطويل كانت بسبب المواعيد ورغم ذلك كانت تربطه معه شعور زمالة وصداقة طويلة .

اجمل موقف اذكره مع عبد الحليم هو ذلك اليوم الذى جاءنى فيه وقرر ان الحياة ضاقت به وضاق هو بها ايضا ، وانه يتلقى نكرانا وجحودا وضربات من الذين ظن انهم سيساعدوه ،وانه يزرع الخير ويحصده شرا ويزرع الحب فيحصد الكراهية وانه بين نارين اما ان ينتحر واما ان يعتذر عن العمل فى هذا الوسط الفنى .

قلت له :هذا حسنا فلو كنت انسان فاشل لما وصلت الى هذه المرحلة ، وإما ان تختار ان تكون على القمة وتدفع ثمن تذكرة الصعود الى القمة وهى تحمل الشتائم والحملات والهجوم والظلم ، وإما أن تضج من اى حاجة تافهة فى الفن فلا أحد ينظر اليك .

النقاد يهاجمون عبد الحليم حافظ لسبه سيد درويش

اعتبر كل مايقال لك تذاكر تدفعها وكلما ارتفعت الى اعلى ارتفع ثمن التذاكر ، وهذه الشتائم هى الوقود الذى يجعل الصاروخ ينطلق الى القمر . اقتنع عبد الحليم بكلامى وبعد ان كان يبكى خرج من عندى سعيدا 

الجريدة الرسمية