رئيس التحرير
عصام كامل

سعيد بدير.. عالم الصواريخ الذي اغتاله الموساد


مستقبل فذ كان ينتظر التسليح في مصر، والعالم، مع المهندس العبقري "سعيد السيد بدير"، رحمه الله تعالى. كان الدكتور "سعيد" أحد علماء مصر العباقرة في مجال الصواريخ.. وهو نجل الممثل والمخرج الراحل "سيد بدير"، ولد "سعيد" بحي روض الفرج في 4 يناير 1949.


في الثانوية العامة كان الثاني على مستوى الجمهورية بمجموع 95%، واختار الكلية الفنية العسكرية؛ لحبه الشديد لوطنه وجيشه.
وتدرج بها حتى أصبح معيدًا ثم أستاذًا مساعدًا، وكان أول من حصل على الماجستير في الهندسة الكهربائية من الكلية العسكرية، ثم الدكتوراه في الهندسة الإلكترونية من جامعة "كنت" الإنجليزية، ووصل إلى رتبة عقيد مهندس بالقوات الجوية.

توالت إنجازاته العلمية، حتى قيل إنه إذا وضع يده على الحديد فيتحوّل إلى ذهب، وتحول "سعيد" من مدرس بالفنية العسكرية إلى رئيس قسم الموجات والهوائيات في إدارة البحوث والتطويرات بقيادة القوات الجوية. ولكى يكمل أبحاثه التي بدأها طلب أن يحال إلى المعاش، وبالفعل تمت الاستجابة لطلبه.

سافر إلى ألمانيا لاستمكال مشواره العلمي، حيث عمل في أبحاث الأقمار الصناعية، بجامعة ليبزيخ الألمانية، وتعاقد معها لإجراء أبحاثه لمدة عامين، بدأت عام 1987، لكنه اشترط أن يرسل نتائج تلك الأبحاث أولًا بأول إلى مصر.

وقبلت الجامعة.. وهناك توصل العالم الشاب من خلال أبحاثه إلى نتائج متقدمة جعلته يحتل المرتبة الثالثة بين 13 عالمًا فقط على مستوى العالم في تخصصه النادر في الهندسة التكنولوجية الخاصة بالصواريخ.

تخصص "سعيد بدير" في الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي، ووصل بأبحاثه إلى التحكم في المدة الزمنية منذ بدء إطلاق القمر الصناعي إلى الفضاء، والمدة الزمنية التي ينفصل فيها، والتحكم في المعلومات المرسلة من الأقمار الصناعية، سواء كان قمر تجسس أو استكشافيًّا، وإرسال المعلومات إلى مركز المعلومات في الأرض.. ووصل بأبحاثه إلى كيفية تسخير قمر صناعي معادٍ لمصلحتنا.

ثم بدأت المأساة، فقد حاولت إسرائيل شراء أبحاثه مقابل شيك مفتوح يضع فيه المبلغ الذي يطلبه، وعرضت عليه الولايات المتحدة العمل في وكالة "ناسا"، وحصوله على الجنسية الأمريكية ومبلغ مالي مغرٍ، وذلك بعد أن بدأ في ألمانيا إجراء تجارب علمية على مشروع خاص باسم "254" يتعلّق بالهوائيات والاتصال بالفضاء، وإمكان التشويش على سفن الفضاء، ولكنه رفض عرض أمريكا، كما رفض عرض إسرائيل.

وقد كشفت أرملة الدكتور "سعيد" أنه رفض تخصيص أبحاثه لأية جهة أجنبية رغم أنهم استخدموا معه كافة الإغراءات، وخصص كافة أبحاثه لمصر فقط، وعندما علم بذلك الرئيس الأسبق "حسني مبارك" عينه مستشارًا له في مجاله.

بدأت مخاوف الأجهزة المخابراتية التابعة للدول غير الصديقة تصل إلى حد الرعب، خصوصًا أن لمسات "سعيد" بدأت تظهر في الطيران الشرقي وتزيده تطورًا بعدما كان سيتم الاستغناء عنه في مصر وبعض الدول العربية.

ذكرت زوجته أنها وزوجها وابناهما كانوا يكتشفون أثناء وجودهم في ألمانيا، عبثًا في أثاث مسكنهم وسرقة كتب زوجها، وفى أحد الأيام كان يعبر الطريق، وإذا بسيارة مسرعة تكاد تدهسه، فضلًا عن المكالمات التي كانت تأتيهم، ومفادُها إما الرضوخ أو التصفية.
ونتيجة لشعورهم بالقلق قررت الأسرة العودة إلى مصر، على أن يعود الزوج إلى ألمانيا لاستكمال فترة تعاقده.

وكتب رسالة إلى الحكومة المصرية يشرح فيها الأوضاع بالتفصيل.. فتلقى اتصالًا من السلطات في القاهرة تطلب منه عودته فورًا إلى أرض الوطن، وقرر العودة إلى مصر.. وعند صعوده للطائرة حاولت المخابرات الألمانية منعه من السفر، ولكن كان لكابتن الطائرة التابعة لمصر للطيران موقف مشرف ونبيل، حين قال لهم: إن لمصر سيادتها، وإن الطائرة هي جزء من أرض مصر.

وصل إلى القاهرة في 8 يونيو 1988. وفور عودته، طلب من شقيقه مفتاح شقة الإسكندرية ليكمل بها بحثه الهام، وطلب منه رعاية زوجته وطفليه.

ولكي يبعد الأنظار عنه قرر أن يفتتح مصنعًا للإلكترونيات لصرف نظر المخابرات الأمريكية عنه، وأعلن عن هذا المصنع، وطلب شركاء ومساهمين، وانهالت عليه العروض، وكان أهمها عرض من ألمانيا.

بعد ذلك الإعلان بأسبوع، تحديدًا في 13 يوليو عام 1989، وبينما كان أحد سكان العمارة رقم (20) بشارع طيبة بكامب شيزار بالإسكندرية، التي يسكن بها الدكتور "سعيد"، يبحث عن مصدر الغاز الذي يشمه، إذا به يسمع صوت ارتطام شديد في الشارع، ليطل الساكن من النافذة، فيجد شخصًا في الأربعينات مُلقى على أرض الشارع، ويسرع للاتصال بالنجدة التي وصلت في الحال، وقامت بسؤال السكان عن شخصية الضحية، ولكن لا أحد كان يعرفه، فهو غريب عن الحي، وتوصل رجال الشرطة بالتحقيقات إلى شخصيته فهو الدكتور "سعيد السيد بدير".

وبمعاينة شقة "سعيد" بالطابق الرابع، تبين وجود أنبوبة بوتاجاز في غرفة النوم، وبقعة دم على المخدة، بالإضافة إلى أنهم وجدوا وريد يديه مقطوعًا، فذهبت التحريات وتقرير الطب الشرعي إلى أنه حادث انتحار.

سارعت زوجته إلى اتهام أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية بقتله، لمعرفتها بشخصية زوجها، وعندما سئلت: "هل تستطيعين أن تقولي إن الموساد والمخابرات الأمريكية وراء مصرع زوجك؟".. أجابت بثقة: "ذلك صحيح، وبنسبة كبيرة جدًا، فسعيد لا ينتحر أبدًا".

ولكي نتيقن أنها جريمة اغتيال قذرة، علينا أن نلاحظ ثلاث إشارات.. أولاها السيناريو نفسه، فمن غير المعقول أن يقوم شخص بثلاث محاولات للانتحار في دقائق معدودة، وكل محاولة بمفردها كفيلة بإنهاء حياته، وثانيًا؛ حالة الخوف الغريبة التي سيطرت عليه من أجل أولاده، فلا يعقل أن يقدم شخص على الانتحار وهو خائف على مصير أبنائه، ثالثا؛ عُثر بين الأوراق داخل الشقة على مقدمة بحث علمي بالفعل، أي أنه لم يخدع شقيقه عندما طلب منه مفتاح الشقة. فهل يمكن لعالم بدأ في بحث قال عنه إنه الأهم في حياته أن ينتحر قبل أن يفرغ منه؟!

الإجابة بالطبع لا.. إذن هناك من قتل الدكتور "سعيد"، والسيناريو الأقرب للتصديق أن شخصين أو ثلاثة اقتحموا شقته وقيدوه، ثم اقتادوه إلى غرفة نومه، وقام أحدهم بقطع شريان يده، بينما أحضر الآخر أنبوبة الغاز إلى غرفة النوم وفتحها.. وعندما فاضت روح العالم الكبير إلى بارئها.. ألقى الجناة الجثة من البلكونة، هذا السيناريو ليس غريبا على جهاز القتل الإسرائيلي (الموساد) الذي تكرر بعد ذلك في شقة الدكتور "جمال حمدان" العالم المصري الكبير بعد سنوات.

بقي أن نعلم أن المهندس "سعيد بدير" توصل إلى اختراع القنبلة الذرية الكهربائية الحارقة التي تستطيع إبادة منطقة تربو مساحتها على المليون متر مربع!!
الجريدة الرسمية