رئيس التحرير
عصام كامل

أعيدوا "57357" لصاحبته الحقيقية


عندما أردت أن أكتب عنها، وبدأت التنقيب في محركات البحث، فوجئت بتلك الكلمات المؤثرة: "في الاحتفال بالعيد العاشر لبناء مستشفى 57357، تم تكريم الدكتور شريف أبو النجا باعتبار أنه صاحب فكرة بناء المستشفى، ومديره.. وطفق الرجل يتكلم في فخر عن إنجازاته الرائعة، والصعوبات التي واجهته إبان إقامة المشروع العملاق....".. إلخ.


معظم الحضور جلسوا مشدوهين، يستمعون في تأثر وإعجاب بالغين للرجل، وهم يشحذون أكفهم للتصفيق تعبيرًا عن التأثر والإعجاب.. قليلون جدًّا، هم من يعلمون بأن ما يجري أمامهم هو مجرد مشهد كاذب، وهو باختصار محض سرقة.. انتحال إنجازات، ومجهودات شخص مات، ونسبها زورًا وبهتانًا لآخر أجاد التسلق على نجاحات غيره.. تمامًا كالهوام الصغيرة التي تعيش على دماء البشر.

ما لا تذكره الإعلانات التي تترى ليل نهار، على شاشات التلفاز، وتذخر بها الصحف، أن صاحبة فكرة مستشفى سرطان الأطفال، هي الراحلة "علا لطفي زكي"، التي اشتهرت بــ "علا غبور".. وُلدت "علا لطفي يوم 29 يناير 1960م، وتزوجت من المهندس "رؤوف غبور" رجل الأعمال المصرى، رئيس مجموعة شركات غبور، والعضو المنتدب في مصر، ورئيس مجلس إدارة شركة "جي بي غبور أوتو".

هي صاحبة الفكرة، وأول من تبرع لإنشاء المستشفى بـ 10 ملايين جنيه.. "علا غبور"، كانت هي المحرك الرئيسي وراء إنشاء مستشفى سرطان الأطفال.. تبنت الفكرة من بدايتها، ودفعت أول مليون جنيه لإعداد دراسة جدوى عن المستشفى لمكتب دراسات أمريكي، وكان رقم ٥٧٣٥٧ الذي أُطلق على المستشفى هو رقم الحساب البنكي الذي كان مخصصًا للتبرعات.

اهتمت، رحمها الله، بالعمل الخيري وخدمة مرضى الأورام منذ التسعينات، وساهمت في مساعدة مرضى السرطان بالمعهد القومى للأورام حتى أصبحت من أبرز الشركاء.

أسست جمعية أصدقاء معهد الأورام 1998 التي تولت إنشاء مستشفى 57357، أكبر مستشفى لسرطان الأطفال في الشرق الأوسط و"جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان"، لتوفير العلاج بالمجان لمرضى السرطان، ولم تكتفِ المؤسسة بالعلاج فقط، بل عملت على المزيد من البحث العلمي وتطوير إمكانيات وتقنيات العلاج داخل المعهد، إلى جانب نشر الوعي المستمر للوقاية من المرض، فبفضلها تم نشر أول برنامج تعليم صحي "الصحة في الصورة".

كانت عضوًا في مجلس إدارة "شبكة مصر السرطان 57357"، التي أنشئت بالولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها منظمة غير ربحية تخصم تبرعاتها من الضرائب وشاركت، من خلال عضويتها بهذه المنظمة، في توفير الموارد للمستشفيات المصرية، والمنظمات غير الحكومية التي تركز على مكافحة مرض السرطان.

استمرت الجمعية في نشاطها الخيري لمحاربة السرطان، ولكن مع زيادة عدد المرضى، وخاصة من فئة الأطفال، وعدم قدرة المعهد على استيعاب هذا القدر، تبنت للمرة الأولى في مصر، رغم ضعف التبرعات والتمويل، فكرة إنشاء مستشفى متخصص في علاج أورام السرطان التي تهاجم الأطفال، فأخذت تتولى جمع التبرعات، ودشنت حملات تطوير تقنيات البحث العلمي، وسبل العلاج، فكان ذلك بمثابة حلم لم تتخيل أن يحقق هذا النجاح، وبأسرع مما تخيلت، تم افتتاح مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال عام ٢٠٠٠.

أخذت، رحمها الله، تساند الأطفال المرضى، حيث قيل إنها كانت تحتضن الصغار إثر خروجهم من غرف العمليات فتشد من أزرهم وتشجعهم على مقاومة المرض لمدة قاربت الـ 20 عامًا.

الغريب أنها لم تكن تعلم بإصابتها بالسرطان الذي دعمت العشرات من الأطفال لهزيمته، ولم يتم اكتشاف المرض إلا في مراحله المتأخرة!

وغابت "علا غبور"، لأول مرة، عن مستشفى ٥٧٣٥٧ وعن أطفالها في رحلة علاج بالولايات المتحدة الأمريكية، لكنها لم تمكث سوى أربعة أشهر حتى رحلت عن عالمنا في 13 يناير 2013.. لتفتح الكاتدرائية المرقسية أبوابها لاستقبال الجثمان الذي طالما أعطى، ولم يبخل يومًا.

المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسي خصص جائزة تحمل اسمها أطلق عليها "جائزة الثقافة والعلوم والخدمات الإنسانية "علا غبور"، كما نالت العديد من التكريمات الدولية والمحلية، وتم إدراج اسمها في قائمة الشرف الوطني المصري باب "الرواد والمتميزين"..

ومن حق "علا"، رحمها الله، علينا، وعلى مصر، أن ندعو وزارة التضامن الاجتماعي لإطلاق جائزة لتكريم اسمها، تخصص لأفضل مشروع خيري وتنموي، وقبل ذلك أن نرد الحق في نسب فكرة وإنجازات مستشفى سرطان الأطفال لصاحبته.

ولك أن تعلم أن جهود المرحومة "علا لطفي زكي"، لم تقتصر على إنشاء مستشفى سرطان الأطفال فقط، وإنما أسهمت في إنشاء مركز الدكتور "مجدي يعقوب" لأمراض القلب في أسوان.
الجريدة الرسمية