رئيس التحرير
عصام كامل

العري العام !


لن نتوقف أبدا عن الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعى وتفعيل آليات الضبط والربط.. والانضباط، بقوة القانون، أو بسطوة الزجر الاجتماعى. ليس المقصود بالطبع وبالقطع أن يكون الزجر الاجتماعى هو الفضح العام وكشف سوءات الناس، وإزاحة النقاب عما ستره الله.. بل يعنى أن يسترد الناس معنى كلمة عيب ولا يصح ولا يجوز..


ولما كانت الدعوة الإصلاحية إلى إعادة تأهيل المجتمع لاستئناف روح التسامح والتواصل والمودة، سابقة حتى على الأحداث الغامضة المريبة التي صاحبت واقعة الخامس والعشرين من يناير في عام ٢٠١١، فإن استمرار القبح والبشاعة الاجتماعية يعنى أن أحدا لم يتحرك حتى الآن.

إبطاء عجلة الحياة السياسية، وتجميد دور الأحزاب، ربما يكون مفهوما، وإن لم يكن مقبولا، في سياق الخطر المحدق بالوطن داخليا وخارجيا، لكن عصب العيون وصم الآذان عن التفاعلات المشينة والمخزية في سلوك المواطنين سوف يقود إلى حالة ندنو منها سريعا، اسمها الانهيار الاجتماعي.

حالة توجد فيها حكومة ولا يوجد شعب!

يمكن تشخيص التفاعلات المشينة في اتجاهين بارزين تتفرع عنهما ومنهما نتوءات، ومسارات، ومواسير صرف صحى تحتية.
ما علينا..

الاتجاه الأول هو التطرف في أخذ القانون باليد وفرض النفوذ، واستعراض القوة بالسيوف والعضلات وحشد الدهماء والبلطجية، والتلويح بالتخريب للممتلكات الخاصة. يحدث ذلك يوميا وفى كل لحظة في مناطق وأحياء راقية وغير راقية. وكم نبهنا ودعونا واستغثنا وأنذرنا أن غياب الأمن الجنائي يشجع البلطجية على القتل والسرقة والابتزاز والترويع..

نعرف بالتأكيد أن الداخلية عليها عبء ثقيل في التصدى للخونة والعملاء، لكن البلطجية أيضا إرهابيون وخونة ومبتزون.. وانتشار الجرذان يعني انحسار الرجال، وحضور الذئاب المؤذي يعنى غياب الصياد البارع الرادع. ثم إن التجرد من قيم العطف واحترام القانون واحترام الجيران وصون الأعراض.. هو عرى جماعى قبيح.

الاتجاه الثاني هو عكس الاتجاه الأول.. إنه خط سريع متصل بباب الفحشاء بلا حياء.. سواء بالدعوة إليها أو بالإغواء للاندفاع نحوها.. وفى ذلك لا يشق لعلية المال، ولا أقول لعلية القوم لأنهم واطئون، غبار في التجرد من الحياء ومن الزجر الاجتماعى.. مسرح هذه النوعية ليس فقط قرى للمترفين في الساحل الشمالى "الشمال" كما يقول العامة، بل هو أداء عام، فقد خلع المترفون المستكبرون المستغنون ملابسهم، وأخلاقهم أو ما تبقى منها.

حال من البجاحة والوقاحة، والناس يتفرجون مشدوهين مسحوبين وأقصى ما لديهم من رد فعل هو: إنها علامات الساعة.. قد اقتربت قد اقتربت...

الانهيار الاخلاقى متلازمة معروفة للانكسار العسكري والهزائم... والغريب أن الموقف عكسي تماما.. فالواقع أن المجتمع المصرى هو الذي انهزم، بينما الجيش المصرى منتصر ومحافظ على انتصاره.

وتلك مرافقة من أعحب المفارقات.. إن حرب المجتمع على المجتمع لم تنته، ولا يبدو أنها سوف تنتهى.. رغم أن المجتمع هو المورد الأول والأخير لصفوف المنظومة العسكرية والأمنية. هل هناك تفسير للغز السابق؟

نعم.. أكاد ألمس تفسيرا.. ربما يقنعنا بأن ما يجري مؤقت... الفرد الواحد رشيد في إطار مجموعة عاقلة رشيدة، يتخذ قراراته الفردية وفق مصالحه بأولوياتها لديه، لكن هذا الفرد الواحد ذاته لن يكون هو الفرد الذي تعرفه حين يكون ضمن قطيع غاضب أو ساخط أو متمرد أو راغب في استعادة أجواء الانفلات. سوف يتصرف بغريزة الحيوان داخل قطيع الثيران.

التناطح الجارى يدمي وجه الهيئة الاجتماعية، ويكرس ميراثا من الانفلات والتمرد وأخذ القانون باليد، وكأننا في الغرب المصرى.. على غرار الغرب الأمريكي. من أجل كل هذه المخاطر العميقة الأثر، حاليا ومستقبلا، أدعو ولن أكل أو أمل، ومن خلال "فيتو"، إلى الإصلاح الاجتماعى. ثقافة الغابة الحالية هي الفوضى المطلوبة.

الجريدة الرسمية