رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مرضى السِمنة... ضحايا أم متهمين؟


نظر الجالس في الطائرة بتأفف لجاره الملاصق والذي "انحشر" بالكاد في الكرسي وتمددت أطرافه إلى حيز حريته!، وقالت المذيعة بسخرية "الناس التخينة بتشوه المنظر وتفقد الست أنوثتها مضافًا لرائحتها"!، وقال الطبيب لمريضه وهو ينهره "كل مشاكلك بسبب وزنك.. يا إما تخس يا إما ما عدتِش أشوفك تاني!!".


والحقيقة أن الكثيرين ينظرون لمرضى السمنة بعين الاتهام على أنهم شرهون في الأكل وجهلة وكسالى.. وإلا كيف وصلوا إلى هذا الوزن؟! والحقيقة أن معظم مرضى السمنة من الناحية الطبية ضحايا لتغيرات هرمونية وكيميائية في أجسادهم لا يد لمعظمهم فيها.

وتصبح مشاكلهم أكبر في ظل الجهل الغذائي المنتشر في ربوع العالم وليس بمصر وحدها. فمما لا يعلمه وكلاء النيابة في مجتمعنا والذين يكيلون الاتهامات لهؤلاء المرضى أن هناك ٣٤ هرمون ومادة كيميائية في المخ والجسم تتحكم في الوزن والشهية ومقدار الأكل، وحتى ميعاد الأكل نفسه، والرغبة في أكل نوعية معينة من الطعام بشكل مكثف.

وأى خلل في هذه الهرمونات والمواد الكيميائية يؤدى للسمنة وربما السمنة المفرطة والمرضية. لذا فإن الجمعية الطبية الأمريكية اعتبرت السمنة منذ عدة سنوات مرضًا مثله مثل مرض السكر وارتفاع الضغط وأمراض القلب، يحتاج للتشخيص السليم، ومعرفة مسبباته والعلاج منه.

فمثلا هرمون "الليبتن leptin” وهو هرمون الشبع ويفرز من الخلايا الدهنية يزداد فرزه من الساعة الثامنة مساءً للثامنة صباحًا لذا تقل الرغبة في الأكل طوال هذه الفترة، والخلل في هذا الهرمون يؤدى للجوع الشديد أثناء الليل، ويسمى متلازمة الأكل الليلي night eating syndrome.

كذلك نقص النوم والأرق يؤدي إلى زيادة هرمون الجوع والمسمى "جريلين" Ghrelin وينقص هرمون الليبتن المسبب للشبع. كذلك فإن كثير من النساء في متوسط العمر ينخفض عندهم تركيز مادة "السيروتونين" serotonin في المخ مما يعرضهم للاكتئاب، فالمخ لذلك يدفعهم لأكل النشويات والسكريات وخاصة الشيكولاته لرفع السيروتونين للمعدل الطبيعي، وكل هذه الأكلات عالية الطاقة وتزيد الوزن!

كذلك فإن في المخ مركز للمكافأة Reward center يفرز مواد تشبه المارجوانا وتأثيرها. وينشط هذا المركز عند بعض الناس عن طريق الأكل مما يجعله كالإدمان مثل المخدرات. كما أن الجهاز الهضمي يفرز عدة هرمونات للشبع وأى خلل في أي منهم يؤدي للسمنة.

لذا فإن العديد من أدوية علاج السمنة الحديثة -والتي لا توجد للأسف حتى الآن أي منها في مصر- تعمل على هذه المراكز والهرمونات لتعيد الاتزان إليها فينخفض الوزن. لذا فإن كل إنسان يحاول خفض الوزن هو في نظري بطل يحارب معركة شرسة مع هرمونات جسمه وجيناتها وموادها الكيميائية ويستحق الدعم والتحية والمساندة لينتصر في حربه على مرض السمنة وليس الإحباط والسخرية.

وكل مريض بالسمنة يحتاج للشفقة والمساعدة والإرشاد والمساندة وليس "للتريقة" عن جهل! لابد أن نتذكر أن السمنة مرض عضوي وأن المصابين بالبدانة مرضى يسيرون بيننا بلا علاج أو وعى أو مساعدة ومعظمهم يصابون ببعض التغيرات النفسية التي تؤثر على حياتهم وأسوأها الاكتئاب!

وليس الحل هو الجراحة فهى فقط لحالات خاصة جدًا. كما أن علاج السمنة ليس لتحسين الشكل ولكن لمنع المشكلات الصحية التي قد تنتج من زيادة الوزن خاصة مرض السكر وارتفاع الضغط وأمراض المفاصل وبعض أنواع السرطان. ومازالت أبحاثنا تحقق نجاحات في فهمنا للمرض وكيف نغير من طبيعة الغذاء ومواعيده وتكوينه لإصلاح الخلل في بعض هذه الهرمونات، كذلك دراسة تأثير الرياضة ونوعيتها ووقتها..

كذلك دراسة تأثير الأدوية خاصة التي تتعامل مع كيميائية المخ لخفض الشهية بما فيها أدوية علاج الإدمان. لقد وصلت السِمنة في مصر إلى ٣٩،٧٪؜ من النساء و٢١،٣٪؜ من الرجال بمتوسط ٣٥٪؜ من البالغين، والعينة التي مسحتها وزارة الصحة أوضحت أن نسبة السمنة ٤٣٪؜ في عينة المسح، مما يجعل مصر الأولى عالميًا في نسبة السمنة.

وامتدت السمنة للأطفال فحاليًا ١٤٪؜ من طلبة المدارس الابتدائية مصاب بالسمنة!، كما وصلت نسبة مرضى زيادة الوزن لنحو ٧٠٪؜ من البالغين وهى أرقام مرعبة.

لذا فإننا يجب أن نواجه هذا المشكلة الصحية بالعلم والدراسة والتوعية والقوانين السليمة والمنظمة كما فعلت العديد من دول العالم مع تقديم كل الدعم لمن يحاول خوض معركة خفض الوزن، فهم أبطال في معركة كبيرة وطويلة يحتاجون فيها إلى المساندة والدعم وليس التريقة والسخرية!
Advertisements
الجريدة الرسمية