رئيس التحرير
عصام كامل

رزق أن تكون كاتبا


في واقع الأمر، وفي الحقيقة، ومما لا شك فيه، عبارات يجب أن تعلم حين ترى كاتبا استفتح بها مقالاته فاعلم أن الكاتب في حيرة من أمره ولا يعرف كيف يصف ما يراه من تعاسة الواقع وجهالة ما يحيط به من استبداد.


ومن هنا تبدأ بركة الرزق في كونك كاتبا، تتحول من كاتب فقير الرزق إلى طرزي (فنان خلاق) من نوع المبدع الذي يصنع من قصاقيص الدكان حياة أخرى مزركشة تتماهى مع حياة البسطاء لإسعادهم ولتجميل واقعهم البائس وتغييره بتضفير الأشياء المهملة في مجتمعه وأغلبها من القيم والأخلاق، يقوم بعملية ترقيع ما يمكن ترقيعه في ثوب المجتمع المهلهل.

صفوة المجتمع وساداته لهم خيّاطهم الخاص الذي يُفصّل لهم ما يريدونه وهذا قمة التدني وبداية هلاك الصفوة. أما بسطاء المجتمع فلهم كاتبهم الطرزي. وثمة فرق كبير بين الخياط والطرزي!

الخط الفاصل هنا هو قول الحق بلا مهادنة، وستر العقل بالأمل والتعلم، وتزيين البدن بالجد والعمل. الطرزي هو من يُجمل ويزين ما بين يديه. وهذه هي محاولة الكاتب المهموم بتجميل بؤس وقبح القيم في بيئته وهو المشغول بغرس الحرف قوتا لمن حوله ولمن سيأتي من بعده.

الوصول إلى أن تكون كاتبا يجب عليك أن تصل إلى رزق الحقيقة. وعليك أن تعلم ثمة حقيقة متاحة للملتفين حول السلطة سواء فقهية أو سياسية. وما أيسرها، فقط أن تمتلك أدوات الخياط الذي يتحرش بنساء الدكان ويضيق الثوب على من تغضب عليه السلطة، وأن يمتلك تلبيس الثوب لهذا ولذلك بأريحية شديدة وبلا أدنى حرج. وهذا بلاء وفتنة وحول في البوصلة.

أن تكون هذه الحقيقة متاحة لك وتعرض عنها وتعرف أنها خدعة وأداة قمعية لسلطة تقتات على تلفيق الحقائق وتصديرها للعامة لتهميشهم وتخديرهم. أن تدرك هذا وتعيه تماما، فتكون قد بدأت أن تصل إلى الحقيقة.

الكاتب الحقيقي عملة نادرة في زمن كثرت فيه عملات الزيف والتقليد والصدأ. وهو في طريق سعيه ليكون كاتبا لا يمل من طول الطريق والتدريب والدراسة، أن يصل إلى تلك الحورية بتفكيره بعد صعوبة ومشقة بالغة، وستكون أمامه أوضح وأشمل حينها سيمتلك موهبة قولها وشرحها وتفسيرها والبوح لها والكتابة عنها بمنتهى اليسر، سيصل إلى قلوب العامة. حينها سيخلد اسمه بلا صولجان السلطة وبلا قدرة سادات الصفوة، بل سيكون مثله مثل نقش من نور في متون التاريخ والزمن ووعي قلوب العامة والأجيال التالية.

الكاتب الحقيقي هو بشر، يسعى صوب دروب الأنبياء بلا دعم إلهي مباشر، له رسالة تنوير وعمار للعقول وللأكوان. حين ترون مثل هذا بينكم فألقوا عليه السلام بدل اللعنة والحجب.
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..
الجريدة الرسمية