رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الشعبوية وحروب الجباية الدولية !


الجباية أو الضرائب عمل من أعمال السيادة للدولة، تفرض أموالًا بنسبة معينة على المواطنين لقاء خدمات تقدمها الدولة لدافعى الضرائب تم استخدام أموال الشعب في تحقيق هذه الخدمات، من علاج وتعليم وصحة وطرق وحماية اجتماعية وأمنية وعسكرية وغيرها.


ولفظ الجباية من الألفاظ المشبوهة والمستنكرة وهي متلازمة مع عصور الظلم والإقطاع والولاة الأتراك والمماليك، بل متلازمة في بعض عصور الحكم في مصر في العصر الحديث. اللفظ البديل هو الضرائب، وهي في أمريكا وفي الغرب قضاء محتوم كالموت، لا يمكنك الفرار منها أو التهرب لأنها جناية كبرى.

ما علاقة الجباية بالشعبوية؟

العلاقة وثيقة ومدهشة ومزعجة معًا، لارتباطها في الوقت الحاضر بزعيم الشعبوية في العالم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". هو ممارس جيد لفنون استخلاص وتحصيل الأموال. 
مصلحة الضرائب الأمريكية IRS توفر عليه، وعلى غيره ممن سبقوه أو سيخلفونه وظيفة ومشقة تحصيل الأموال، فضلًا عن تغلغل ثقافة وجوب سداد الضريبة في المجتمع الأمريكي. هو.. محصل خارجي، يقوم بمهمة التحصيل بتهديد الدول الأجنبية أو معاقبتها. بالطبع معركته مع الصين مشتعلة؛ ما بين ضرائب متبادلة إلى مباحثات الفشل حليفها أكثر من النجاح.

المعركة الجارية حاليًا لترامب هي مع حليف غربى، مع باريس، والسباب والسخرية والاستهزاء، مفردات مهينة يوجهها ترامب في معزوفات الشتائم التي يطلق عليها تغريدات. 
سبق له أن وصف "إيمانويل ماكرون" رئيس فرنسا بالأخرق، والأبله، ولم يرد عليه "ماكرون".. لكن كانت هذه الشتائم سببًا في التفاف المعارضة الفرنسية حول "ماكرون" لأن السباب الامريكى ينال من رمز السيادة الفرنسية.

سبب الغضب الأمريكي تجاه باريس أساسًا هو إعلان فرنسا بدء تطبيق ضريبة على شركات التكنولوجية الأمريكية. والحق أن الجمعية الوطنية الفرنسية، البرلمان كان وافق على هذا القانون استجابة لمطالبات ومظاهرات السترات الصفراء، التي كادت تحرق باريس غضبًا ورفضًا لسياسات "ماكرون" الاقتصادية، وبالتالي فإن على شركات جوجل وأمازون وفيس بوك دفع ضريبة للحكومة الفرنسية.

ورغم أن القانون الفرنسي يفرض الضريبة ذاتها على جميع شركات التكنولوجية الأوروبية والصينية، ومنها هواوى، وليس مقصودًا به عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، إلا أن "ترامب" اعتبر ذلك حربًا عليه، ومن ثم هدد الشركات والمنتجات الفرنسية بضرائب مماثلة.

الاقتصاد الفرنسى ليس في وضع جيد يمكنه من تلقى ضربات قوية أو متوسطة فضلًا عن القدرة على تحملها لأن نسبة الدين بلغت ١٠٠٪؜، ولم تفلح حكومة "ماكرون" في إصلاح الأحوال المعيشية ولا معالجة الاختلالات الهيكيلية في الإنتاج والتصدير والاستيراد، على العكس من حكومة ألمانيا التي يتصدر اقتصادها رأس القائمة الأوروبية.

هل الضريبة الفرنسية على أمازون وجوجل وفيس بوك وحدها هي السر، والسبب في غضبة وشتائم "ترامب"؟

فتش عن الدور الفرنسى في الأزمة الإيرانية الأمريكية من ناحية، والأزمة الإيرانية البريطانية من ناحية أخرى. 
فرنسا استقبلت مبعوثًا إيرانيًّا رفيع المستوى "عباس عراقجى"، مساعد وزير الخارجية الإيرانية، حاملًا رسالة خطية من "روحانى" رئيس إيران، وطهران استقبلت مبعوثًا فرنسيًّا، فضلًا عن الاتصالات التليفونية بين "ماكرون" و"روحانى".

باريس تدعو حقًّا إلى التزام طهران بالاتفاق النووى الموقع عليه من أوروبا والصين وروسيا، ومعروف طبعًا انسحاب واشنطن منه، لكن طريقة فرنسا في التعامل مع طهران لا تنطوى على القوة التي تريدها واشنطن من حليف غربى، بل تراها سياسة نفعية. تتغافل أمريكا في الوقت ذاته تصريحات الحكومة الألمانية من أنها لن تذهب مع أمريكا بعيدًا في الأخذ باستراتيجية الضغوط القصوى على إيران.

لم يقع تعرف حقيقي حتى الآن على حقيقة السياسة البريطانية بقيادة ترامب نمبر ٢ في لندن، المعروف بجوجو.. أو بوريس جونسون، توليفة تركية إنجليزية مسيحية برجماتية جامحة.. لكن الرسالة التي أعلنت سلطنة عمان أنها من لندن إلى طهران فيها تراجع من نوع التراجعات المرتبطة بشخصية "ترامب"، قالت رسالة لندن لطهران: عندك ناقلة لي وعندي ناقلة لك. أفرجي عن ناقلتى أُفرج عن ناقلتك.. ناقلة مقابل ناقلة!

لندن لم تكذب هذه الرسالة حتى كتابة هذه السطور، وسواء كانت صحيحة وأكدتها لندن أو مزورة منسوبة إلى طهران فإن الوضع يعتبر مطابقة كاملة لنموذج ترامب في التصعيد ثم التراجع! إلا في الابتزاز.. فإنه جامع أموال بامتياز.. ومن هنا كان هجومه الضارى على قرار الحكومة الفرنسية بفرض ضرائب على المنتج التكنولوجي الأمريكي.
ليس له من حليف.. إلا الرغيف. عفوًا الدولار!

Advertisements
الجريدة الرسمية