رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمد عبد الهادي يكتب: القوة الحقيقية

محمد عبد الهادي
محمد عبد الهادي

النفس البشرية تحكمها طبيعة خاصة فهى أعقد مما يتخيل البعض، فلا نستطيع أن نصفها بأنها صورة نمطية محددة وثابتة، ولا نستطيع أن نعمم بعض صفاتها على باقى البشر، فهى متغيرة من وقت إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى ومن مرحلة لمرحلة تالية.


قد نصادف يوم ما أحدهم ذا شخصية تتمتع بالقوة المفرطة والوجه العابس الذي لا يتأثر بالمواقف أو حتى الأشخاص متحليا بقدر كبير من الاستعراضية والتسلط، وحينما ندقق النظر ونلاحظ تلك الشخصية عن قرب نرى أن كل تلك القوة المفرطة أو الصورة المثالية أو التسلط أو غيرها من مظاهر السطوة إنما هي مجرد قناع يخفى من ورائه ضعف كبير وفقدان ثقة بالنفس.

يحولها صاحب تلك الشخصية إلى مظهر مغاير تماما للحقيقة من خلال استخدام حيل دفاعية نفسية شعورية أو لا شعورية كى يستطيع التكيف مع البيئة المحيطة به هروبا من مواجهة الواقع لا سيما وإن كانت البيئة ضاغطة، وأحيانا أخرى قد نواجه نمط شخصية تظهر ضعفا كبيرا أمام الآخرين يصل إلى حد التظاهر بالانهيار في بعض الأحيان متلذذة بذلك المظهر وما يتطلبه من كثرة الشكوى والبكاء لأتفه الأسباب ولفت انتباه الآخرين من خلال التظاهر بالضعف.

وعندما ندقق النظر ونلاحظ تلك الشخصية عن قرب نجد أنها قد تخفى بين جنبيها قدرا كبيرا من المكر والدهاء والخداع المفرط وأن تلك الشخصية تستطيع أن تنسلخ من صورتها الحقيقية بإظهار صور مغايرة عن طريق حيل دفاعية نفسية خاصة للوصول إلى أهداف منشودة أو تحقيق رغبات محددة.

ولا شك أن تلك الأنماط سواء كانت في صورة القوة المفرطة أو الضعف الشديد إنما هي مجرد أقنعة قد تخفى ورائها أنماط لا سوية من شخصيات قد نصادفها في حياتنا اليومية، وهنا يجب علينا الوعى بأن الحكم على الأمور لا يجب أن يكون بظاهرها.

وأفضل أنماط الشخصية إنما هي أكثرها تحقيقا للإتزان النفسى الذي يتجلى في وسطية التفكير والتعامل، وأيضا في التوافق مع المجتمع المحيط من خلال ردود الأفعال المتزنة التي تتناسب مع كل موقف بشكل لا ضرر فيه ولا ضرار، وأن حب الناس وبشاشة الوجه إنما هو قمة الإتزان، وأن الصدق في القول والوضوح في المعنى إنما هما المظهر الحقيقى الذي خلقنا الله تعالى عليه، وأن القوة الحقيقية إنما هي قوة الوسطية والإتزان ما بين الضعف والقوة.
الجريدة الرسمية