رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المخرج علي بدرخان : لم أقصد الإساءة لعبد الناصر ولست مسئولا عن أي تفسيرات سياسية لأفلامي

فيتو


  • - أخرجت 4 أفلام لـ"نجيب محفوظ" لهذا السبب.. وأعمال "يوسف إدريس" تستعصي على الإخراج
  • - خططت للعمل في البحر والتحقت بالثانوية البحرية ولكن والدى أصر على تحويل مساري إلى "معهد السينما"
  • - أشفق على أهل السينما الحقيقيين.. ولا يجب أن نتحدث عن الإبداع بهذا "الرخُص"
  • - سعيد بمرحلة التدريس في المعهد ولم أخطط لها وجعلتني قريبًا من الأجيال الجديدة


"أنا مخرج مصرى، هاوٍ للسينما ولست محترفا.. لا أرتزق منها.. ليست عندى طموحات شديدة، لا في مهرجانات ولا في نقد، طموحي كله أن أحس أنه فيما بعد يقولون إن هذا الرجل كان مهتما بقضايانا".. هكذا يعرف المخرج الكبير "على بدرخان" نفسه، وهو تعريف ينطوى في قدر كبير من التواضع والبساطة، ويخلو من كثير من العُقد التي يعانى منها عدد كبير من الفنانين، ممثلين كانوا أو مخرجين.
قبل أسابيع قليلة، أتمَّ "بدرخان" عامه الثالث والسبعين، إلا أنه لا يزال في قمة حيويته، وقادرًا على العطاء، وفضلًا عن ذلك كله، فإنه يحمل في ذاكرته قدرًا هائلًا من الذكريات والأسرار والكواليس، تجعل الحوار معه والإبحار على شاطئ ذاكرته مغنمًا لا شك في ذلك.
ينحدر "على بدرخان" من أصول تركية، فجده كان خورشيد طاهر باشا أحد القيادات العسكرية الأرناءوطية التركية للجيش العثماني في مصر، إبّان حكم أبيه طاهر باشا الذي تولّي حكم مصر، واليًا عليها في بداية القرن التاسع عشر، كما أن والده هو المخرج الكبير "أحمد بدرخان".
ربما تكون البداية الحقيقية لضيفنا عند التحاقه بالمعهد العالى للسينما، على غير رغبته الشخصية، ولكن تنفيذا لرغبة والده، وتخرجه في العام 1967، ثم حصوله على منحة للتدريب في أستوديوهات مدينة السينما الإيطالية، قبل أن يعود إلى القاهرة، وينطلق في ملحمة إبداعية حفلت بإخراج عدد من الأفلام المهمة مثل: "شفيقة ومتولى"، و"الكرنك"، و"الراعى والنساء"، و"الجوع" وغيرها.
ارتبط "بدرخان" لمدة 11 عامًا بالزواج من الفنانة الراحلة "سعاد حسني"، وكان زواجهما إحدى المحطات المهمة في حياته الفنية أيضًا، حيث أخرج لها بعض أفلامها الناجحة.. وفي هذا الحوار.. يكشف "على بدرخان" جانبًا من أسراره وذكرياته ونجاحاته وإخفاقاته واعترافاته وطموحاته.. فإلى نص الحوار:

- في البداية حدثنا عن مرحلة الطفولة واهتماماتك الأولى؟
في السنوات الأولى من حياتى، مارست الرسم، وعندما لاحظ والدى ذلك قرر إحضار مدرس للرسم في البيت، ليصقل موهبتى، إلا أننى سرعان ما انصرفت عن الرسم إلى التصوير الفوتوغرافى، وأنشأ والدى لى معملا صغيرا في البيت، لأمارس من خلاله التحميض والطبع، وعندما أنهيت المرحلة الثانوية لم أفكر أبدا في العمل بالسينما، بل كنت أرغب في العمل بالبحر، وقدمت أوراقى بالفعل إلى المدرسة البحرية التجارية، ولكن إدارة المدرسة كان تشترط موافقة ولى الأمر، وهو ما لم يَرُق لأبي الذي تصدى بقوة لهذه الرغبة، وقدم أوراقى لمعهد السينما، وعندما أخبرته بأننى سوف أكون طالبًا فاشلًا، فرد علىَّ منفعلًا: "تبقى ساعتها مش ابني أصلًا"!

- وكيف كانت سنواتك بالمعهد العالى للسينما؟
رغم ما كان ينتابني من خوف وقلق وعدم رغبة، إلا أننى انسجمت في الدراسة من المعهد؛ بسبب ما لمستُ فيه حينها من جدية والتزام، عميد المعهد كان "محمد كريم"، وكان صديقًا لوالدى بطبيعة الحال، وكان رجلا جادًا وصارمًا بشكل كبير جدًا، كان يُشبه الألمان في إدارته للمعهد، كان لا يسمح للطالب بدخول المعهد إذا لم يكن يرتدي بدلة كاملة، كانت النظافة عنوان كل شبر في المعهد، كما كنت محظوظًا بالأساتذة الكبار الذي كانوا يدرسون لنا في هذه الفترة، مثل: "صلاح أبو سيف" و"يوسف شاهين" و"يوسف جوهر" و"عبد الوراث عسر" و"توفيق صالح" و"حلمى حليم" و"رشاد رشدى"، بالإضافة إلى والدى طبعًا.

- هل يُضايقك عندما يقال عنك إنك صنيعة المخرج الراحل "أحمد بدر خان"؟
"ضاحكًا".. وما الذي يضايقني في ذلك، هذا الرجل هو أبى، وصاحب الفضل عليَّ، وهو من وجهنى إلى دراسة الإخراج، ولولاه ما عملت في الفن أصلًا، وأنا أصبحتُ مخرجا بناء على رغبته، لذا صرتُ مؤمنًا بأن الآباء هم أفضل من يختارون ويرسمون حياة أبنائهم، لأنهم يتمنون لهم كل خير وسعادة واستقرار.

- هل بدأت العمل أثناء دراستك بالمعهد؟
أثناء دراستي بالمعهد كنت أحضر تصوير أفلام أساتذتي وتعلمت كل شيء من عناصر العمل السينمائى، بدءًا من كلاكيت حتى الإخراج، كما عملت مع أبى في فيلم "سيد درويش"، وكذا فيلمي "أفراح" و"النصف الآخر".

- وما الذي تعلمته من "أحمد بدرخان" المخرج وليس الأب؟
تعلمتُ منه احترام العمل والدقة والالتزام بالمواعيد والمساواة في العمل بين النجم والعامل البسيط، أتذكر أنه طرد مدير إنتاج ذات مرة؛ لأنه اشترى للممثلين طعامًا مميزًا، وللعمال طعامًا أقل منه، هذا درسٌ لا أنساه أبدًا.

- ومن أكثر المخرجين الذين استفدتَ من التعاون معهم؟
- بلا شك المخرج العالمى يوسف شاهين، حيث عملت معه في جزء من فيلم "الأرض"، ولكنى تركته للسفر إلى إيطاليا لدراسة الإخراج، وعندما عدتُ إلى القاهرة عملتُ معه في فيلم "الاختيار"، وفي فترة لاحقة عملتُ معه أيضًا في أفلام: "العصفور" و"الناس والليل" و"عودة الابن الضال"، "يوسف شاهين" كان يتميز عن زملائه بقدرته على تعليم المحيطين به ومعاونيه، كان يجد سعادة في إكسابهم خبرات ومهارات جديدة، وبالمناسبة هذه موهبة لا يتمتع بها كثيرون، "صلاح أبو سيف" رغم أنه كان مخرجًا كبيرًا ومهمًا إلا أنه لم يكن يحظى بهذه الموهبة.

- مَن أيضًا من المخرجين الذين تدين لهم بالفضل أو تعتز بالتعاون معهم؟
المخرج "أحمد ضياء الدين" كان مخرجًا متميزًا في كل شيء، وكان يتحمل الكثير من أجل تجويد عمله وإخراجه في أفضل صورة، أذكر أنه في ليلة عزاء والدى أبلغني بـ"أوردر شغل"، حتى يخرجني من حالة الحزن، هناك أيضًا المخرج "فطين عبد الوهاب" الذي كان يخلق في الاستوديو حالة من البهجة والمرح وخفة الظل.

- من المؤكد أن أول فيلم أخرجته تحمل له ذكريات لا تُنسى، فما الذي تحمله ذاكرتك بخصوص فيلم "الحب الذي كان"؟
"ضاحكًا".. كواليس فيلم "الحب الذي كان" كانت غريبة، مدير التصوير كان المصور الكبير عبد الحليم نصر وهو كان بالنسبة لي "أونكل عبده"، وعندما كنت أنادي عليه قائلا: "يا أونكل عبده"، كان يصرخ في وجهي قائلا: "اسمى أستاذ عبده، وأنت أستاذ علي بدرخان"، وكذلك الفنانة الكبيرة "عزيزة حلمى" كانت بالنسبة لى "طنط عزيزة"، وأثناء التصوير عندما كنت أناديها "يا طنط"، كانت تشتاط غضبًا.

- وماذا بالنسبة لفيلم "الكرنك"؟
- لفيلم "الكرنك" حكايات وليس حكاية واحدة، كنتُ أبحث عن قصة عن المعتقلات، لا سيما قصة وفاة "شهدى عطية" في السجن، وفجأة وجدت صحيفة "الأهرام" تنشر فصول رواية الكرنك، فاتصلت بالأستاذ نجيب محفوظ، وطلبت القصة لكى أقدمها فيلما، فوجئت به يقول: "والله يا ابنى من نصف ساعة فقط، كان عندى ممدوح الليثى واشترى القصة"، فاتصلت بالليثى، فظل يماطلنى ويساومنى ويراوغنى، فقلت له: "أنا هأخرجها وبدون أجر".. وحدث فعلا.

- وهل قصدت تقديم فيلم سياسي بالفعل؟
"مبتسمًا".. أنا قدمت عملا فنيا، لا علاقة لي بالسياسة، تعاملت معه كـ"صنايعى"، وحاولت تقديم عمل فنى بمستوى متميز، ولم أهدف من ورائه إلى إثارة أي جدل سياسي، وأتذكر مثلًا أن الراحل " يوسف السباعى" اتصل بى غاضبا فور عرض الفيلم، متسائلًا في غضب: "ألم تجد ضحية غير الشيوعى؟"، لأنه لم يكن يحب الشيوعية والشيوعيين ولا يتعاطف معهم.

- ألم تقصد من فيلم "الكرنك" تجريح عصر "عبد الناصر" وإهالة التراب على فترة حكمه؟
هذا كلام غير صحيح بالمرة، "عبد الناصر" زعيم وطني بامتياز، حاول خدمة وطنه، فنجح في بعض الأمور، ولم يوفق في غيرها، وتربطني علاقة صداقة بأقاربه وذويه، وليست لى حسابات شخصية مع حكامنا، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، في الفترة التي أخرجت فيها "الكرنك"، قدمتُ أيضا فيلم "أهل القمة"، وكان يتعرض لفساد السبعينيات، أنا مخرج أولًا وأخيرًا، ولا علاقة لى بأى تأويلات أو اجتهادات أو توجهات سياسية.

- قدمت 4 أفلام لـ"نجيب محفوظ" وحده، لماذا؟
لأن كتابات الراحل "نجيب محفوظ" تبدو أمامى كأنها سيناريو جاهز للإخراج فورًا، أعماله لم تكن لوغاريتمية أو معقدة، بل سهلة بسيطة، أعتقد أن عمله في كتابة السيناريو أفاده كثيرا في كتابة الرواية، لهذا أؤمن دائمًا بأن الكتابة الجيدة هي الأساس لتقديم عمل فنى رائع، ثم تأتي كل عناصر العمل بعد ذلك، مع أهمية وجود مخرج قادر على صياغة هذه الكتابة في عمل فني متكامل.

- ولماذا لم تتعاون مع الدكتور "يوسف إدريس" مثلًا؟
الراحل يوسف إدريس كان صديقا عزيزا، وقرأت كل ما كتب، ولم أجد له رواية طويلة؛ لأن أعماله كانت قصصا قصيرة، يضاف إلى هذا أن له نظرة فلسفية دائما يصعب ترجمتها سينمائيا.

-إذا أردنا الحديث عن سعاد حسنى، تفضل الحديث عنها باعتبارها الزوجة أم الفنانة؟
سعاد حسنى أحسن ممثلة في تاريخ السينما المصرية على الإطلاق، بسبب قدرتها على التنوع، والصدق في الأداء، الاهتمام بالعمل والتفاني فيه، زواجى منها كان زواجا فنيا، ومن الطبيعى أن أستغل نجوميتها وشعبيتها وقدراتها الفنية، كيف تكون زوجتى أحسن ممثلة ولا أستفيد منها؟ وأنا أخرجت أفلاما لغيرها فترة زواجنا، مثل فيلم "شيلني وأشيلك" وحقق نجاحا كبيرا.

- وهل لم تكن هناك فنانة متميزة وعبقرية سوى سعاد حسنى؟
أنا لم أقل ذلك، بالعكس، الراحلة فاتن حمامة، ونادية الجندى، وسناء جميل عندما تتخلى عن أدائها المسرحى، ويسرا، ومن الأجيال الجديدة: هند صبرى ونيللى كريم وياسمين عبد العزيز.. جميعهن ممثلات رائعات، ولكن الجميع يعلم أن "السندريلا في منطقة تانية خالص".

- وبالنسبة للممثلين؟
القائمة طويلة، ولكن يتصدرها: زكي رستم ومحمود المليجي وتوفيق الدقن وصلاح منصور، ولا أنسى "نور الشريف" بحرفيته وإحاطته بتقنيات السينما والمسرح، وروعة "يحيى الفخرانى"، وعفوية "محمود عبد العزيز"، "محمد صبحى" أيضًا فنان كبير، ولكن على صعيد المسرح فقط، ولا أزال أتذكر انطلاقته من خلال فيلم "الكرنك".

- وبالنسبة لأحمد زكى؟
أحمد زكى تسبب في مشكلة للأجيال التي جاءت بعده، فقد حاولوا تقليده لكنهم فشلوا، كان يبدع بدون أي عناء أو تمثيل، كل من حاولوا تقليده أصبحوا "مسخا" منه.

- أعلم أن لك رأيًا في مستوى النقاد الفنيين.. نريد أن نتعرف عليه.
النقد الفنى في مشكلة كبيرة، حاله مثل حال السينما تماما، قليلون جدا من يجيدون عملية النقد الفنى ويتقنونها علمًا ودراية ودراسة وممارسة، أما الأكثرية فهم هواة غير محترفين، يكتبون انطباعات شخصية، وأحيانا تكون كتاباتهم موجهة في الأساس.. وهذه كارثة في حد ذاتها.

- ما رأيك في ظاهرة الورش الخاصة بالكتابة والتأليف؟
أنا أشد المقتنعين بالورش الخاصة بكتابة المسلسلات، وأراها ضرورة لتقديم عمل فنى متكامل بدون سقطات، هناك فرق بين كتابة رواية أو قصة وكتابة سيناريو، لأن الأول موهبة وفكرة، والثانى تكنيك في المقام الأول.

- هل يُرضيك واقع السينما المصرية الحالي؟
بالطبع لا، السينما تمر بمنعطف خطير، لن تتجاوزه قريبًا، ولكن يجب أن تتجاوزه حتى تعود إلى سيرتها الأولى، وريادتها المتميزة، وأصدقك القول: لستُ راضيًا عن السينما ولا متفائلًا بأنها سوف تتجاوز محنتها في القريب العاجل، لذك أشفق على أهل السينما الحقيقيين، أتمنى أن الناس تعود إلى حب تحب الفن، ويعود الفن ليكون رسالة، وليس مجرد سبوبة، تزعجنى كلمة "نحتاية" عندما تطلق على عمل فنى، أمر مرفوض ولا يليق أن نتكلم عن الإبداع بهذا الأسلوب.

- من أبرز تلاميذك من المخرجين؟
تلاميذي المتميزون كثيرون، منهم: أسامة أبو العطا، وأحمد نادر جلال، وشادى الفخرانى، ومروان حامد، وكاملة أبو ذكرى، وتامر محسن، وبصراحة أشفق عليهم في ظل الظروف الصعبة الحالية التي تمر بها السينما المصرية.

- وماذا عن مرحلة التدريس بالمعاهد العالى للسينما؟
التدريس في معهد السينما لم يكن في طموحاتي ولا خيالي، حتى فوجئت بصديق عمرى "حسام على" فوجئت يخبرنى بأنه قدم لي في الدراسات العليا دون أن يأخذ رأيى، ونجحت، وكان أول من منحنى فرصة التدريس صديق عمرى "شوقى أحمد على"، عندما عُين عميدا للمعهد، حيث أسند لى تدريس الإخراج، ولم أكن مقتنعا مطلقا، ولكن اكتشفت أن أجمل ما فيه العلاقة مع الشباب والحوار والقرب منهم، وهذا جعلني أذاكر مثلهم حتى أكون مستعدا، وهو ما أعتبره من أجمل ما قدمته في حياتي.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية