رئيس التحرير
عصام كامل

ضبط الأسواق من ضبط الإرهاب


يصعب القول جدا إن القرارات الحكومية الأخيرة بزيادة أسعار المحروقات لم تحرق دم الناس وجيوبهم، ولم تسعدهم، غير أنهم تجرعوها كما يفعل المريض المضطر.. ويصعب القول إن الإخراج السياسي الذي رافق التمهيد لرفع أسعار البنزين والسولار والغاز لم يكن حصيفا، وفيه تفكير وخطة نفسية مدروسة، ساعدت على تنفيذها روح الدعابة المصرية التي استرجعت نظرية وقوع البلاء ولا انتظاره.


هذا ما تفعله الخطط عادة، وهذا ما تفعله عملية إشراك الشعب في القرار وفي المسؤولية. بالطبع لا أقول إن الشعب سعيد، لكن أقول إنه كان على علم بما ستتخذه الحكومة من قرارات مؤلمة تمثل الجرح الأخير في عملية الإصلاح الاقتصادي وإغلاق الملف مع صندوق النقد الدولي، الذي طبقت مصر روشتة الإصلاح معه حرفيا وبنجاح لأول مرة في تاريخها، بل في تاريخ الصندوق ذاته مع دول عديدة في قارتنا وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية.

نجاح الإصلاح سببه صبر الشعب وتقبله آلام الدواء لإدراكه أن الطبيب شريف وأمين لا مصلحة له إلا في شفاء المريض، ولإدراكه ثانيا أن استمرار الدعم سيحول الدولة كلها إلى جماعة هائلة متسولة دوليا.

محاولات تسخيط الناس باءت كلها بالفشل طوال مشوار رفع الأسعار وتقليص الدعم، لسبب جوهري هو أن تكلفة الخراب أعلى من كلفة الإصلاح، وبلد تشتعل فيه الأسعار خير من بلد يحترق بالعملاء والإرهاب.

وإذا كان هذا كله صحيحا، فإن صفحات السوشيال ميديا تضج بالفوران والسخرية معا، في محاولة للتنفيس، وإذا ظهر رأي إخواني يصطاد في المياه العكرة أفحموه وأحرقوه.

لا يزال الناس في مرحلة استيعاب الزيادة في البنزين، وهي ليست قفزة كبيرة كالزيادة التي سبقتها، لكن أرى ألا تركن الحكومة إلى هذه الفكرة، لأن الحكومة إن تركت التجار يمتصون دماء الشعب وهي تكتفي بالمناشدات والدعوات والتوسلات لعصابات من التجار والقوى الاحتكارية فسوف يعتبرها الناس مفرطة في أهم واجباتها الدستورية وهي حماية حق الحياة الكريمة، والتقصير المخزي الأقرب إلى التواطؤ بالصمت!

هذا ما نخشاه، وهذا ما نحذر منه، ونقول للمرة الثالثة وبصراحة، أن الشعب لا يصدق التوجيهات بضرورة مراقبة الأسواق. هي توجيهات موسمية، تعلو نغمتها وموسيقاها التحذيرية قبيل رفع الأسعار وفي المواسم، لكن اللصوص من التجار عرفوا أن الحان الحكومة هي مزيكا ليس إلا، وأنهم والشعب في حلبة المصارعة، هم بفلوسهم واحتكاراتهم والشعب بالاحتياج والعوز والجنيهات المعدودات.

تصريحات رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي لن يصدقها الناس ما لم يروا قبضة قوية تطبق على أعناق تجار أقوات الشعب مصاصي دماه.

التاجر اللص ليس أقل خطرا على الوطن والمواطن من الإرهابي القاتل. وكما تقاتل الدولة الإرهاب، فلن نراها متقاعسة أو متهاونة في مكافحة السعرة التي ينهش بها تجار بلا ضمير دخول الناس ومرتباتهم المحدودة.

سوف يرتاح الناس لو أحسوا أن الحكومة في ظهورهم، ليس يكفي توفير السلع في منافذ حكومية أو توابع لها، بل لا بد أن تكون السلعة مباعة بالسعر ذاته المعقول في كل المحال. التسعيرة الجبرية مرفوضة لأنك اقتصاد سوق. التسعيرة الاسترشادية ورقة مبلولة يشربها الشعب.

الدولار نزل والأسعار فوق.. لماذا؟ لغياب سلطة المحاسبة على كل اللصوص من التجار فاقدي الضمير.
العقاب الصارم يردع. أما الطبطبة فلا تصلح مع مصاصي الدماء.
غدا أفضل بإذن الله.
الجريدة الرسمية