رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا حضرنا الورشة ونحن نرفض البيعة؟!


إذا كان واجبا عدم المزايدة على موقف مصر المعلن من القضية الفلسطينية، وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للسعودية والأردن والإمارات ولبنان، فيما يتعلق بحضور المحافظ المالية العربية الثرية إلى مؤتمر ورشة "السلام من أجل الازدهار"، فلماذا حضرت، أساسًا، مؤتمرًا دعت إليه أمريكا لتأسيس سلام بدون الثوابت العربية والدولية، وأهمها إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧؟!


أولا.. قد يكون متفقا مع الحقيقة إعادة تعريف اسم مؤتمر المنامة، ليكون ورشة "الازدهار من أجل السلام"، لأن فكرة المؤتمر كلها، في إطار ما يسمى بصفقة القرن، ونراها صفعة القرن، تنهض على المال مقابل الحياة.. مال عربي برعاية أمريكية لشقيق عربي يبقى تحت الاحتلال في التكييف والرفاهية! العرب، سابقًا، قدموا في مؤتمر مدريد "السلام مقابل الأرض"!

تلك هي المسألة بإيجاز. وبالطبع، فإن السؤال يعاود الظهور: مؤتمر لإطعام الفلسطينيين مقابل إسكاتهم وتأمين إسرائيل.. لماذا تحضره مصر ودول الخليج المتعهدة بتمويل محفظة الازدهار، وهي لا تعترف أساسًا بأن مرحلة "أكله وشربه وسكنه وشغله وهننه ثم سكته واكتمه"، أي الاقتصاد أولا، لا يعني إلغاء حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة والاستمرار؟!

الرئيس عبد الفتاح السيسي استبق الورشة، وأكد على موقف مصر الثابت الداعم للقضية الفلسطينية، وفق المقررات العربية والدولية، كذلك السعودية؛ فبينما وزير ماليتها حاضر ورشة كوشنر في المنامة فإن مندوبها لدى وكالة الأونروا في نيويورك، أكد موقف المملكة الثابت من حقوق الفلسطينيين، وبالذات الحق في الدولة والحق في العودة.. حقان أسقطهما "جاريد كوشنر"، صهر "ترامب" اليهودي ومستشاره السياسي.

كل ما يفعله "كوشنر" هو لتأمين إسرائيل وأولاده اليهود من ابنة "ترامب"!

مرة ثالثة إذا كان موقفنا مناهضًا للطرح الأمريكي، فلماذا ذهبنا؟!

وزير الخارجية "سامح شكرى"، قال إن مصر تذهب لتقييم المعروض. ولم تذهب لتقره. وأسند القرار والقبول كله إلى صاحب الشأن، وهو الطرف الفلسطيني، الذي غاب عن المؤتمر، وأعلن رفضه القاطع الحاسم النهائي.

ليس عيبًا أن تستمع، وأن تعرف، وأن تبدي وجهة نظرك، وأن تعلن رأيك المخالف.. زمن المقاطعة انتهى، وفي كل الأحوال، فإنك تتعامل مع حليف بحجم أمريكا، وهذا الحليف يعرف أن الصفقة فاشلة، بل صدرت تصريحات سبقت هذه الورشة قبل شهر تقريبًا شكك في نجاحها "ترامب"، وبوقه المدوى "مايك بومبيو"، وزير خارجيته.

لكن.. إذا كان الحليف صاحب الفكرة هو نفسه غير واثق من صلاحيتها، وقبول الضحية للتعويض مقابل قفل المحضر أو تقفيله، على وجه أصح، فلماذا هذا العرض المسرحي الساذج الخادع؟!

سؤال يبحث عن تأمل، وإجابة لا تزال مخبأة في كواليس البيت الأبيض!

العجيب أن كوشنر، في حوار له مع قناة "العربية الحدث"، يتحدث عن حكومة فلسطينية تمارس إدارة الـ ٢٨ مليار دولار التي ستحصل عليها هذه الحكومة على مدى عشر سنوات... فأي حكومة؟! حكومة دولة، أم حكومة حكم ذاتى لتسيير الحياة والأموال والأعمال؟! خطة "كوشنر" تعترف بأقل من دولة، وأكثر من حكم ذاتي.

هو قال إن ما عرضه لقي من الحاضرين ردود فعل جيدة. كيف تكون جيدة وهو ربط الفلوس بالقبول مقدما للشق السياسي؟!
- ماذا في الشق السياسي؟
- لا ليس الآن لن نعلنه.
- متى تعلنه؟
- في نوفمبر، بعد اختيار حكومة جديدة في إسرائيل!

هذا هو الموقف المخزي العبثي.. مرة رابعة؛ لماذا اذن حضرنا؟!
اسال "كوشنر" نفسه: لماذا هو نفسه حضر؟!
كلهم حضروا إلا "البضاعة" التي ترفض البيعة!
أعتذر لإخوتنا الفلسطينيين عن قسوة التعبير، لكن الموقف مر وخارج المنطق.
الجريدة الرسمية