رئيس التحرير
عصام كامل

الصحفي لص أم جاسوس أم.. صحفي؟!


من هو الصحفى؟ هل هذا سؤال؟ نعم للأسف، هو سؤال يعاد طرحه الآن وبعنف وجدل محموم لإعادة تعريف القائم بعمل محدد في مجال البحث عن الحقيقة والحصول عليها ونشرها بصدق.


القضية مفتوحة بقوة بعد إلقاء القبض على "جوليان أسانج" رئيس تحرير ومؤسس موقع كشف أسرار الحكومات وفضائحها ومخازن أسرارها، يوم ١١ أبريل، قبل أربعة أيام، من داخل سفارة الإكوادور، التي أمضى بداخلها سنوات طويلة، وحصل على المواطنة الإكوادورية، ولم يجرؤ على مغادرة عتباتها..

لأن البوليس البريطاني متربص به، وتريده الولايات المتحدة، لمحاكمته بتهمة إفشاء أسرار وزارة الدفاع الأمريكية وفضح خارجيتها، فضلا عن تخريب حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، بالدخول على إيميلها والحصول على مراسلاتها الرسمية! ومن الواضح أن سفارة الإكوادور قررت تسليمه بل دعت شرطة لندن إلى السفارة واستلامه، وهناك تبريرات بأن سلوكياته داخل السفارة فاقت قدرة السفارة التي آوته على الصبر والتحمل!

هو أصلا مواطن إسترالي، ومن مواليد يوليو ١٩٧١، وهو صبي مراهق تميز بالتفوق في قرصنة المعلومات، وفي اختراق المواقع، وهومبرمج كمبيوتر فصحفي فناشط صحفي.. فمتهم بأنه لص! تلك هي التهمة الموجهة إليه حاليا من الحكومة الأمريكية. وكانت لندن تلقت من قبل مذكرة لتسليمها "أسانج" بوصفه لص معلومات.

لندن ترفض تسليمه في الوقت الحاضر، لكن تاريخ الحكومة البريطانية مع أي إدارة أمريكية، فما بالك بحكومة ترامب، هو تاريخ من انقياد الظل لصاحبه.

يثير القبض على "جوليان آسانج" من جديد قضية حرية حق الوصول إلى المعلومات وحرية تداول المعلومات، وحرية الصحافة والتعبير، وهي حريات مكفولة في الدستور الأمريكي. لم يكفل أي دستور حرية سرقة المعلومات. مذكرة وزارة العدل الأمريكية كانت دقيقة في توصيف التهمة. هو لن يحاكم للنشر، بل للسرقة.

وهذا التوصيف بدوره، يطرح قضية أخلاقيات المهنة، وبالذات في مجال فرع عميق مثير للجدل من فروع الصحافة هو الصحافة الاستقصائية، حيث يجد الصحفي صعوبة بالغة في الحصول على المعلومات والحقائق، فيبذل كل جهده للحصول عليها رغم العوائق والموانع. هل يحصل عليها رغم القيود بالاختراق؟ بالرشاوى؟ بتجنيد عملاء؟

أن تمد يدك داخل جيب شخص وتأخذ ما فيه، فهذه سرقة. أن تمد كابلا، وباسورد وتدخل على كمبيوتر أو تليفون شخص، وتنسخ ما فيه، فهذه أيضا سرقة.

الحقيقة التي مصدرها السرقة، هل لها حجية قانونية؟ الدليل المستمد بجريمة هل يعتد به؟

كل هذه الملابسات، والذكاء القانوني في توصيف الادعاء الأمريكي لموقف "جوليان آسانج"، جعلت قطاعات عريضة من الإعلام والصحفيين ينفضون عنه. سرقة المعلومات جريمة. نشرها واجب. الفارق بين الاثنين هو من أصعب ما يواجه تعريف المهنة.

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، كان الصحفي إذا تجاوز خيطا رفيعا في عمله مع السفارات أو المصادر الأجنبية، انتقل من خانة الصحفي إلى زنزانة الجاسوس. خيط رفيع جدا بين نقل الأخبار ونقل المعلومات. الحكومات لا ترى في كل المعلومات أخبارا، بل ترى في كل الأخبار معلومات محتملة، وما تصنفه على أنه فائق السرية، ينبغي أن يبقى كذلك حتى لا تتعرض مصالح الدولة وشعبها للخطر، إزاء شهوة النشر، بطريق الاقتحام وكسر الأقفال.

السطو على المعلومات لا يمنحها شرعية، وما ينشر سيكون صحافة، ولكن من نشر سيكون لصا! الأمر أشبه جدا بأنك تشترى سيارة رائعة ثمينة، من لص وأنت تعرف أنه لص.. ولا يزال الجدال محتدما في لندن وواشنطن: هل الصحفي لص معلومات، أم ناشر للحقيقة وفق أخلاقيات المهنة؟!

هاكرز المعلومات يعتبرون أنفسهم لصوصا يسرقون لصوصا أبشع منهم، يقصدون الحكومات، وفي الحالين، فإن الالتباس والارتباك ورسم الحدود واعادة التعريف والتوصيف، ضرورات جديدة، حتى يتمكن القاضى من إصدار أحكام عادلة، وحتى يستمتع القارئ بحقيقة غير مسروقة!
الجريدة الرسمية