رئيس التحرير
عصام كامل

مشروعي الاستثماري الأول!


مستغربين!.. سأذيع سرا، أرجو أن تعينونني على كتمانه، بعد أن أعيتني كل أساليب قمع الذات وكتم الأسرار. لقد قررت أن أبدأ مشروعي الاستثماري الخاص، سأدخل زمرة أصحاب الأعمال، سأفتح حسابا ألقى في جوفه مئات الجنيهات يوميا، وفي المواسم والأعياد ربما يتسع كرش الحساب المصرفي ليبتلع ألف جنيه وألفين في ليلة واحدة، خصوصا ليالي الكريسماس، وليالي ما قبل العيدين.


بكم فضول لمعرفة الطريقة التي وفرت بها رأسمالي الذي سيدر على أكثر من ثلاثين ألف جنيه، طلعة كل شهر؟ كما ترون فإن المبلغ بسيط، لكن مكسبه مريح جدا وفيه متعة، بل فيه تحقيق ذات، مشبع بأكثر مما يحققه نصر صحفي!

- كيف؟

- سأقول لك.. قل لي أولا.. عندك قمع؟!

- نعم؟

- اسألك عندك قمع؟

البلاهة تطل من وجه صاحبي، قلت في حزم:
- لا أمزح!

كل ما تحتاجه فعلا لكي تنفذ مشروعك الاستثماري هو قمع برتقالي كبير من أقماع المرور المعطل في مصر. غير هدومك وكف عن التظاهر بأنك ما زلت سعادة البيه وسعادة الباشا وحضرة الأستاذ. ارتد ملابس قديمة بألوان كالحة.. زيتي في رصاصي على بني، ولا تنسَ التلفيعة أبيض في أسود أم كاروهات. اطلق شاربك وغلظه، وأيضا كشر عن أنيابك!

اكفهر الوجه. انتفخ. فتش في حقيبة سيارتك عن عصا قصيرة غليظة. فتش في مخازن بيتك، مخازن بيوت المصريين الآن، تحت الحوض، تحت السرير، تحت الكنب، وراء الأبواب، في صناديق معلقة بالشرفات. حسنا هذه عصا غليظة صالحة للترهيب! خذها ولا تخف..

الهيئة الآن تمام. حضرتك صرت مثلي تماما. ومثل السيد بلطجي المواقف أو الباركنج أو الباركنك كما يقول أشباه المتعلمين. هو الباشا الحقيقي في البلد حاليا.

اكتملت السحنة المرعبة شكلا، وحذار أن تكون رخوا صاحب طلة مثقفة، وإلا اعتبروك دخيلا متطفلا ومزاحما في المهنة!
- أية مهنة؟

صبرا صبرا، ستعرف حالا إن تمكنت من حيازة رصيف في شارع ! أو بعض رصيف أو ربع رصيف في حتة فاخرة فخيمة بنت ناس. تكفيك مساحة ثلاثة سيارات طولا أو بوزا. فهمت مهنتك الآن؟ لا صحافة ولا سخافة ولا حرق دم ولا صرصار أفاق متلون يأكل حروفك ولا يدفع ثمن كتاباتك!

مهنتي ركين! نعم أركن السيارات في رصيف محدد معين. اخترت شارعا للصفوة من شوارع المعادي، أمامه ماركت كبير وسوق، ولا مكان فيه لقدم نملة.
شكلي مرعب، نزلت الشغل مع الاصطباحة، وفضلت أقول للباشا وراء مقود المرسيدس: هات ورا اطلع قدام، لف يمين، لف شمال. بااااااس باسسسسس. يفتح الباشا زجاجه وينظر نحوي بقرف، ويلقي إلى بجنيهين!

زمجرت: عشرة جنيه يا باشا. مش مقامك جوز الهلافيت دول!
جعلت صوتى عميقا غليظا!
نفخ وتصفح ملامحى مستغربا وسحب من الصندوق تحت معصمه بالسيارة عشرة جنيهات. أخذتها ورحت أدعو له كما لم يفعل الشحاذ المحترف: إلهي ربنا يخليك، إلهي يعوض عليك، نهارك (دررات) يا باشا. تصدق بالله، وحد الله أنت شكلك داخل الليلة ع العروسة الجديدة. لو حبيت تركن أنا تحت أمرك. اركن وأنا أسوقها لك!

كاد يضحك لولا الغمز الأخير في كلامي فهم بمطاردتي فأسرعت ألوح لسيارة أخرى قادمة تبحث كالفأر المذعور عن ملاذ. هكذا عديت أول اختبار. تأتي السيارة فتجد القمع والطوبة الكبيرة والعصا الغليظة والسحنة المخيفة وتطورت أدواتي فجئت بإطارات قديمة، ثلاث أربع فرد كاوتش ونتورتهم على المساحات الشاغرة. كل فردة في مكانها تدر عشرة جنيهات!

أشخط أحيانا لاستعادة شوية شعور بالسلطة. لو سكت الزبون شخطت أكثر، لو زعق لي لممت لساني وابتلعته. ليس يهم الشخط أو لم اللسان. لم الفلوس يشرح القلب ويصفى الذهن. ويا أخي يعطيك ثقة وطمأنينة فقدتها من زمان الحقيقة. الآن جيلي مكبب. محشو كومات ورقية من الجنيهات والخمسات والعشرات وخمسينات.. على آخر النهار كنت تقريبا اكتفيت، لكنى طمعت، فواصلت!
الله على زبون آخر الليل
تلك حكاية حلوة.. نكملها الأحد!
الجريدة الرسمية