رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الرحمة المهداة


تحتفل الأمة الإسلامية في هذا الشهر الكريم بذكرى مولد أشرف الكائنات وأسعد المخلوقات وأحبها وأكرمها وأقربها إلى الله تعالى. نحتفل بمولد الرسول الكريم والنبي الخاتم الهادي البشير والسراج المنير نبي الهدى ورسول الإنسانية. نعم، فلم يشهد التاريخ البشري والإنساني منذ أبينا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة إنسانا يحمل معاني الإنسانية كاملة كرسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام.


ولما لا وهو الذي أدبه ربه تعالى، وخلقه عز وجل بخلقه سبحانه، والى ذلك أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، نعم.. فهو المتأدب بالآداب الربانية، والمتخلق بالأخلاق القرآنية، وهو الذي زكاه الله تعالى إجمالا وتفصيلا، وزكى بعثته الكريمة، فعن لسانه الطاهر عليه الصلاة والسلام يقول سبحانه: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى".

وعن بصره يقول سبحانه: "ما زاغ البصر وما طغى"، وعن فؤاده الطاهر يقول عز وجل: "ما كذب الفؤاد ما رأى"، وعن عقله النوراني يقول جل جلاله: "ما ضل صاحبكم وما غوى"، وقد زكاه سبحانه بكليته فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وزكى سبحانه بعثته فقال عز وجل: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

هذا وإذا ما طالعنا سيرته الكريمة الطيبة العطرة لنجد أن الإنسانية لم تفارق أي شأن من شئون حياته ولا أي جانب من جوانبها، ففي بيته مع نسائه رضي الله عنهن نجده الإنسان الودود الرحيم الرفيق المعاون لهن، كان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته وينظف فرسه بيده الشريفة، ونجده الزوج الحنون العطوف الوفي، ومع أبناؤه وبناته نجده الأب الحنون العطوف والمربي الناصح المؤدي لأمانة الله فيهم.

ومن ذلك ما كان يصنعه مع السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها عند قدومها عليه فكان يقف لاستقبالها والترحاب بها، وكان يحتضنها ويقبل ما بين عينيها ويقول لها مرحبا بأم أبيها، وكان كثير العطف على أبنائها الحسن والحسين والسيدة زينب رضي الله عنهم، من ذلك ما رواه عبد الله بن جابر رضي الله عنه، قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يمشي على أربع، والحسن والحسين فوق ظهره وهو يمشي بهما، فقال، نعم الجمل جملكما، فنظر إلى صلى الله عليه وسلم وقال: ونعم الراكبان هما وأبوهما خير منهما".

وكذلك كان يعامل خدمه وإماءه ومواليه معاملة أهل بيته، فكان يجالسهم ويؤاكلهم ويداعبهم ويدخل السرور عليهم، ويحدثنا عن ذلك خادمه أنس فيقول: "خدمت رسول الله عشر سنين فما سبني قط وما لطمني قط وما قال لي أف قط وما لامني وعاتبني عن شيء فعلته أو لم أفعله، وكان إذا لامني أحد من أهل بيته، كان يقول دعوه لو قدر لكان".

وهكذا كان إنسانا بكل ماتعنيه كلمة الإنسانية مع أصحابه رضي الله عنهم، فكان لهم الأب الحنون والمربي الفاضل والناصح الأمين وكان الصديق الوفي والحاضن لهم بخلقه العظيم، وكان كذاك مع أهله وأقاربه وقومه وعشيرته، وكان كذلك مع جيرانه من المسلمين وغير المسلمين، وكان كذلك الإنسان الرءوف الرحيم مع الأرامل واليتامى والمساكين والفقراء والمحتاجين.

هذا ولم تفارقه إنسانيته وقت الحرب والاقتتال مع الأعداء والخصوم وتؤكد ذلك وصيته لجيش المسلمين قبل لقائهم الأعداء والتي أوصى بها جيش المسلمين وقال لهم فيها: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل وبمن معكم من المسلمين خيرا، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخا فانيا، ولا منعزلا بصومعة، ولا تقطعوا شجرا ولا تقربوا نخلا، ولا تهدموا بناءً ولا تفسدوا أرضا".

هذه هي الإنسانية التي شرفت بها الإنسانية وسعد بها بنو الإنسان بل سعدت بها مظاهر الحياة كلها، أن رسول الله الإنسان الذي شرفت به الإنسانية وسعدت به الحياة، وهو الذي به علم وعرف الكمال وصدق الله تعالى إذ قال فيه وعنه صلى الله عليه وسلم: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وصدق صلى الله عليه وسلم إذا قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

هذا هو رسول الله وهذه هي أخلاقه فأين تلك الإنسانية وتلك المكارم من هؤلاء الذين يرتكبون أبشع وأفظع الجرائم باسم الدين، والله إنه لافتراء وكذب على الله تعالى ورسوله وعلى الفطرة السليمة والإنسانية بكل ما فيها من خلق وقيم نبيلة وسمو إنساني.
Advertisements
الجريدة الرسمية