رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

متى يتعلم سعد الحريري من أخطائه السياسية؟


من المنتظر أن تشهد الأيام المقبلة إعلان رئيس الوزراء اللبناني، المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية – سعد الحريري– إعلان حكومته الجديدة بعدما تم حل إحدى "عُقد التوزير"، ولا تزال هناك عقدة واحدة على ما يبدو وكما تقول المصادر، وهي المرتبطة بالنواب السنة المستقلين من خارج تيار المستقبل الذي يترأسه سعد الحريري.


لكن الأمر بالنسبة لي وفي حقيقته أبعد من مجرد تفاؤل بولادة حكومة متعسرة، يعقبها صورة تذكارية للوزراء يتوسطهم فيها سعد الحريري، ثم عواصف رعدية أثناء الممارسة العملية للوزارة تنتهي باتهامات بالتعطيل ثم انسحاب وزراء من الحكومة أو استقالته هو شخصيًا. الحقيقة هي أن رئيس الوزراء المكلف يسير في نهجه السياسي دون أن يتعلم من أخطائه.

وقبل الدخول في التفاصيل من المهم أن أسلط الضوء على التطورات الأخيرة في تشكيل الحكومة اللبنانية. البداية من التفاؤل الجديد بقرب إعلان تشكيل الحكومة الجديدة ومصدره موافقة سمير جعجع على الحقائب الوزارية التي سيتولاها حزب القوات اللبنانية، حيث وافق سمير جعجع على توالى وزرائه حقائب العمل، والثقافة، والشئون الاجتماعية، بالإضافة إلى منصب وزير نائب رئيس الوزراء، وهو منصب شرفي أكثر منه عملي لأن المنصب لا يُكسب القوات اللبنانية خبرة يمكن الاستفادة منها، لأنه حتى وإن فاز حزب القوات اللبنانية بأكبر نسبة في الانتخابات البرلمانية مستقبلًا، فإن الطائفة السنية هي المعنية برئاسة الوزراء.

قبول رئيس حزب القوات اللبنانية الوزارات التي تم عرضها عليه أخيرا يوحى بأمرين: الأول أن القوات اللبنانية تأكدت أن الفرقاء ومن بينهم التيار الوطني الحر وحزب الله لن يوافقوا على تولي القوات اللبنانية أية وزارة سيادية، بما فيها وزارة العدل التي رضي بها رئيس حزب القوات اللبنانية، والأمر الثاني أن رئيس الحكومة نفسه هو من قدم لهم هذا العرض على أنه العرض المتاح لهم.

نديم الجميل النائب عن حزب الكتائب اللبنانية غرد وصرح قائلًا؛ إن حزب الله يعطل تشكيل الحكومة وأن الأمر مرتبط بموافقة سعد الحريري على "توزير" المستقلين السنة من خارج كتلته النيابية، حيث لم تتمكن كتلة سعد الحريري من الفوز بكل مقاعد السنة في بيروت وهو ما شكل ضربة "لتيار المستقبل" الذي يتزعمه.

لا يوجد دليل كما هو العادة في تصريحات الساسة اللبنانيين على صحة ما يقولون، والأمر ينطبق على تصريح نديم الجميل. فالحصول على مقعد يمثل السنة المستقلين كان مطلب السنة المستقلين أنفسهم قبل أن يكون مطلب حزب الله، اللهم إلا إذا كان هناك تحالف غير معلن بين النواب المستقلين من السنة وبين حزب الله، وهو أمر جائز، لكن المؤكد أن هؤلاء النواب لم يكونوا على قوائم حزب الله في بيروت، وبعضهم أعلن سريعا موافقته على أن يتولى سعد الحريري تشكيل الحكومة ولكنهم طالبوا بأن يراعوا تمثيلهم في الحكومة.

فقبل أسبوعين اجتمع فريق من النواب السنة واستنكروا تجاهل رئيس الحكومة لهم وإصراره على احتكار تيار المستقبل لجميع الوزارات، رغم فوز عشرة نواب مستقلين من خارج تيار المستقبل بما يمثل نحو 40% من أصوات الطائفة السنية، وتواردت الأخبار أمس عن اجتماع نبيه برى رئيس مجلس النواب مع وفد من النواب المستقلين.

التطورات الجديدة في تشكيل الحكومة اللبنانية تكشف عن أخطاء تشوب عمل رئيس الوزراء المكلف، من بينها: أولًا: تجاهل سعد الحريري النواب السنة العشرة المستقلين. فإذا كان النواب المستقلون السنة احتموا بحزب الله للظهور بمظهر مشرف أمام ناخبيهم والإصرار على تمثيلهم في الوزارة الجديدة، فمن يلومهم في ظل تجاهل سعد الحريري لهم؟

الخطأ الثاني، وهو خطأ سياسي في الوقت نفسه، يرتبط باستمرار سعد الحريري في تشكيل الحكومة في ظل قلة الحيلة السياسية. لا يوجد دليل على أن سعد الحريري ضغط على القوات اللبنانية للتنازل عن حقها في وزارة سيادية، لكن المعروف للجميع أن القوات اللبنانية كان تسعى للحصول على وزارة سيادية وأن الأمر كان في عهدة رئيس الوزراء المكلف.

إذا كان رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري يسعى لإنتاج حكومة لا يستطيع من خلالها إحداث توزان عادل في وزارات الحكومة، فلماذا يستمر في التشكيل، خاصة وأن السيناريو المحفوظ دائما هو انسحاب وزراء تيارات معينة من الوزارة وإحداث أزمة سياسية؟ ولماذا لم ينصح سعد الحريري ميشال عون رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة تكنوقراط تراعى مصالح اللبنانيين دونما تدخلات سياسية وأن يتنازل عن رئاسة الوزراء لرئيس وزراء سني لا ينتمي لتياره ولا لغيره من التيارات؟

يمكن لرئيس الوزراء أن يجيب على الأسئلة إذا ما قرأ هذا المقال، لكن ظني أن سعد الحريري دائما ما يعمل دونما وجود أفق سياسي يستشرف المشكلات التي يمكن أن تواجهه وأنه يفضل سياسية اللحظة الراهنة، ويطبق مبدأ "ما لا يدرك كله لا يترك جلّه"، وأن ما يدفعه لذلك هو خوفه من الفشل السياسي في اللحظة التي يملكها، أو أنه لا يتعلم من أخطائه السياسية.
Advertisements
الجريدة الرسمية