رئيس التحرير
عصام كامل

التاريخ العسكري لا يعرف شغل المنافقين!


لا بد أن كل مصري ومصرية قد لاحظ جرعة الاهتمام البالغ بانتصارات القوات المسلحة على العدو الإسرائيلي، قبل ٤٥ عاما، كان الاحتفال شاحبا في فترات، وساطعا في فترات، وتقليديا فاترا في فترات، لكنه حظي هذا العام بصحوة قوية، قادتها مواقع التواصل الاجتماعي، وتبعتها المحطات الفضائية.


استدعت المواقع والمحطات أفلاما للمعارك، ولكم أحزنني أن محطة EXTRA NEWS عرضت نسخة ممزقة الصوت والصورة من مشهد هو الأروع في تاريخ الانتصار العسكري المصري، فقد بثت خطاب الرئيس السادات وهو يلقي خطاب النصر أمام نواب الشعب والقادة العسكريين العظام والصوت ممزق والصورة خرابيش.

ما علينا..

فإن جريمة أشد من هذه ترتكب، ليس فقط هذا العام، بل منذ جريمة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، وهي التعتيم الظالم على دور قائد القوات الجوية الفريق محمد حسني مبارك الذي أعد ودرب وجهز الطيارين والطائرات، وحقق افتتاحية الانتصار، هذه معلومات، هذا تاريخ، شئتم أم أبيتم، فإن للرئيس الأسبق مبارك دورا وطنيا لا يجوز إنكاره بحال من الأحوال.

انتصار السادس من أكتوبر له طعم خاص ومذاق خاص هذا العام، لعدة أسباب، أظن أولها عودة الشعور العام بالاستقرار والأمان، وأن الناس باتت تعيش حياة طبيعية وتتعايش مع نار الأسعار وسُعار التجار! وثاني الأسباب أن المزاج العام يميل إلى استدعاء أيام كانت فيها الأزمات والمحن المعيشية والوطنية أدهى وأمر.

كان جيلنا يهرول نحو الجمعيات التعاونية بمجرد سماع خبر أن بالجمعية فراخًا مجمدة!

كنا بلا تليفونات فعالة، والكهرباء جداول تشغيل، هنا إضاءة، وهناك إظلام، والعكس، وكان التليفزيون يغلق شاشته في الحادية عشرة، والأتوبيسات علب سردين، فيها كنا محشورين.

شفنا أياما وسنين سوداء، وسمعنا كلمة معاناة ملايين المرات، وكلمة حسب الإمكانيات المتاحة ملايين المرات، وكلمة الصبر وكلمة الصمت ملايين المرات.. وكان كل مصري يمشي مميزا بالكيس البلاستيك الأسود فيه زجاجة زيت أو كيس مكرونة وحتتين صابون!

أما الشاي من التموين فما أروعه: نشارة خشب فيها برادة شاي.

لم نحتج، ولم نَتذمر، بل كنا نبيت الليل وقلوبنا وآذاننا على الترانزستور أبو قتب (الحجارة الكبيرة معلقة في ظهره بأستك)، نتابع أخبار قواتنا الخاصة التي عبرت بليل قناة السويس واقتحمت موقعا وقتلت من فيه وعادت ومعها أسيران أو شهيد، كنا نشبع إلا قليلا، وكنا راضين شبعانين بالوطنية.

طول الوقت كانت قلوبنا تزغرد لقواتنا وهي تعبر وتدمر وتطهر الأرض من الدنس الإسرائيلي، وإن سقط شهيد بكته مصر كلها.. الغم والحزن في كل بيت.

تلك كانت الوطنية المصرية في أعظم تجلياتها.

أما السبب الثالث وراء الاهتمام العام بالعام الخامس والأربعين، فأحسب أنه الفيلم الإسرائيلي الرخيص عن أشرف مروان الذي اعتبرته إسرائيل منقذها في حرب أكتوبر، بينما كان أشرف بطلا من أبطال المخابرات العامة المصرية من خلال موقعه قريبا من الرئيس السادات.

لقد حان الوقت أن تفرج المخابرات العامة المصرية، في تقديري، عن النسخة المصرية من الدور الفعلي الذي قام به أشرف مروان في خطة الخداع الإستراتيجي، وتضليل القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، مما منح القوات المصرية أربع ساعات كانت كافية لوصولها إلى مناطق ارتكاز وقتال على طول الضفة الشرقية للقناة.

نعم يتطوق المصريون لمعرفة هذه الملحمة وغيرها، واهتمامهم البالغ هذا العام بحرب النصر في السادس من أكتوبر، يعكس مدى التعطش إلى استدعاء تاريخ حافل بالدهاء الوطني.. تخطيطا وتنفيذا!

لقد جرى ويجري إغفال دور قادة بارزين، على رأسهم حسني مبارك، لكن التاريخ لا يظلم، وسيقول دوما إن انتصار السادس من أكتوبر هو يوم للشعب وقواته المسلحة، وللبطل الشهيد أنور السادات، وللفريق محمد حسني مبارك قائد القوات الجوية، وللمشير أحمد إسماعيل علي، والمشير عبد الغني الجمسي، والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان، والمشير الفذ محمد علي فهمي قائد حائط الصواريخ!

هذا يوم القادة العظام.. وليس يوما لاستدعاء مهزومين من قبورهم ينسبون إليهم معجزات غيرهم.. حتى ثورة يونيو ٢٠١٣!
الجريدة الرسمية