رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهاء الدين يكتب: أصعب امتحان

أحمد بهاء الدين
أحمد بهاء الدين

في مجلة صباح الخير عام 1958 كتب الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين مقالا حول ضرورة الثقافة بالنسبة للكاتب قال فيه:
زارني أحد الأدباء الشبان في مكتبى بمجلة صباح الخير، وأثناء حديثى معه اكتشفت أنه لم يقرأ الدكتور طه حسين ولا توفيق الحكيم إلا مؤخرا.


إن الكاتب الناجح لا يمكن أن يستمر نجاحه بغير ثقافة واسعة، إن لمعة إنتاجه الأول سرعان ما تخبو.

إن الذي حدث لهذا الكاتب الشاب أن التصفيق الذي قوبل به إنتاجه الأول أدار رأسه، وأصعب امتحان يجتازه أي إنسان هو كيف يمر بصدمة نجاحه الأول.

هناك من يكسره النجاح الأول فيظن أنه كتب ما لم يكتبه أحد قبله ولا بعده فيركن إلى الكسل.

وهناك على العكس من يجعله النجاح الأول أكثر إحساسا بالمسئولية وأكثر اهتماما بتجديد عمله.

فكرت في أن أصطحب هذا الشاب إلى مكتبات كبار الأدباء ليرى بنفسه صورة من الجهد الذي صنعهم فكانت البداية بزيارة توفيق الحكيم.

هذه المكتبة ليست مكتبة أديب باحث، إنها مكتبة فنان، مكتبة لا تدل على أن صاحبها يهمه الاحتفاظ بها لنفسه أو لغيره، فأكثر الكتب فيها غير مجلدة ولا مرتبة.

المنظر العام للمكتبة أشبه بالمائدة التي فرغ الناس من التهام طعامها وتركها دون أن يرفع الأطباق عنها، وسألت توفيق الحكيم عن السبب في ذلك، فقال أنا لا أحاول الاحتفاظ بالمكتبة مستوفاة مرتبة لأن هذا لا تتطلبه طبيعة عملى.

إنه يتنقل بين مختلف ألوان المعرفة ليحصل منها على خلاصتها ويكون بها تفكيره الخاص ــــ لكنه ساعة الكتابة ـــ لا يعود إلى مراجع ولا يعتمد على الكتب كمصادر لعمله الأدبي.

فالكتب التي يقرؤها تمده بغذاء يتحول بعملية الهضم إلى عصير ثقافى خاص بصاحبه يساعده في عملية الخلق الفنى الذي يظهر في صورة قصص أو مسرحيات... هذا هو دور الكتب في حياته.. فهي غذاء يهضم وليس مراجع يعود إليها.

قلت له تعليقا على المنظر العام للمكتبة.. إنه فيما يبدو لا يكتب في مكان ثابت معين.. وقال لى إن هذا صحيح، لقد تعود خصوصا في صدر حياته الادبية عدم الالتصاق بمكان معين للتأليف.

لقد كتب أهل الكهف مثلا في مقهى "بتى تريانون" المعروفة الذي يقع بشارع سعد زغلول بالإسكندرية.. كان في ذلك الوقت موظفا في النيابة المختلطة بالإسكندرية، فكان يخرج من مكتبه إلى البتى تريانون، ولربما ظل جالسا يكتب هناك حتى يهبط عليه الليل ويطفئ النور في المقهى، فينتقل إلى مقهى غيره ليستأنف الكتابة.

يقول توفيق الحكيم: بعد أن أصبح شكلى معروفا للناس أصبحت الكتابة في المقاهى متعذرة وإلا تحولت إلى فرجة للناس.
الجريدة الرسمية