رئيس التحرير
عصام كامل

بانتظار مسك الختام


حجم القلق والخوف والدم والضرر والأذى والتلف الحاصل فى سوريا يبدو أنه يتناسب تماما مع حجم المشكلة، والثمن الذى تكبده الشعب السورى عبر سنوات من الظلم والفساد والطغيان والإجرام والخداع المفروض عليه من نظام مستبد حكمه بالحديد والنار لأكثر من أربعة عقود ظلامية ومظلمة.


ولذلك ليس مستغربا أن تهرع إلى نجدة هذا النظام مجاميع فى ظاهرها تبدو متناقضة مع بعضها البعض ولكنها كلها تجمع على أن بقاء نظام الأسد يحقق لها بطرق مختلفة مصالح مهمة وحيوية.

فروسيا تضمن عن طريق هذا النظام موضع قدم أخير لعتادها وسلاحها ومخابراتها وأهدافها الاستخباراتية، وإيران تعتبر النظام طفلها الرضيع الذى رعته طوال السنوات الماضية، وبرز هذا الولاء لها عندما أدار النظام ظهره تماما لشعارات العروبة ومبادئ العلمانية التى كان حزبه الحاكم البعثى يتغنى بها ليلا ونهارا ليؤيد حرب إيران على العراق وهى الدولة الدينية الطائفية بامتياز، بينما كان العراق وقتها بعثيا وطبعا دولة عربية.

وها هو حسن نصرالله زعيم حزب الله وبشكل علنى يعترف بدعمه المسلح والعسكرى عتادا وجندا لصالح الدفاع عن نظام الأسد بإرسال أعداد كبيرة من ميليشياته إلى سوريا لقتال أهلها والدفاع عن نظام الأسد، وهو بذلك ينفذ أوامر الحكومة الإيرانية التى يعتبر مرشدها خامنئى مرجعه الأول باعترافه فى مرات كثيرة ومختلفة.

حتى إسرائيل التى تتمتع بحالة فريدة من نوعها من التعاون الصريح بينها وبين نظام الأسد بإبقاء حالة اللاحرب واللاسلم بينهما والذى أدى إلى حالة خاصة من الوضع الأشبه بالسلام البارد مع وجود مباحثات معلنة برعاية مباشرة مع الأمريكيين بين إسرائيل وسوريا أدت إلى استحداث ما بات يعرف بوديعة رابين، وبعد وفاة رابين وحافظ الأسد استؤنفت مباحثات أخرى بين الطرفين مرات برعاية تركية فى مباحثات سرية وأخرى معلنة غير مباشرة كانت كلها لأجل تكريس سلام بين الدولتين واعتراف كامل.

لكن كانت هناك تفاصيل أدت إلى تأجيل الإعلان عن ذلك الأمر بشكل نهائى، ولذلك كانت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا مثار استغراب ودهشة وذهول، إذ لا يوجد أى سبب ولا منطق لأجل أن تقوم إسرائيل بضرب نظام الأسد وهو الذى ضمن حدودا آمنة لها فى منطقة الجولان بشكل مثير ولا يليق بدولتين فى حالة حرب، لكن من الممكن تفسير الأمور بشكل آخر بأن إسرائيل قالت مرارا إنها لن تسمح بسقوط أسلحة نظام الأسد فى أيدى القوات المعارضة لأنها «لا تثق» بنواياهم ضدها..

بمعنى آخر إنها «تضمن» نوايا الأسد وتأمن جانبه تماما وتثق به بشكل كامل ولذلك كانت الغارة موجهة ضد شحنة سلاح تابعة للأسد خوفا من أن تسقط فى أيدى المعارضة، وكان نتنياهو شديد الثقة بعدم رد الأسد ونظامه على الغارة وأن الأمر لن يكون سوى جعجعة وطحن إعلامى وضوضاء فارغة وهو الذى جعله يغادر بثقة واطمئنان ثانى يوم الغارة الإسرائيلية على نظام الأسد متوجها إلى زيارة للصين ومن بعدها إلى روسيا وهما الحليفان الرئيسيان للأسد فى صراعه ضد الثورة والثوار فى بلاده واللذان لم يبديا أصلا أى اعتراض أو أى احتجاج ضد إسرائيل وضربتها ضد الأسد، وطبعا كانت أهداف زيارة نتنياهو لها هى شرح دوافعه وسبب توجيه الضربة الإسرائيلية الأخيرة.

التطرف والتكفير والإرهاب والميليشيات الأجنبية تزيد الأزمة السورية تعقيدا ودخول قوات مأجورة تكفيرية وإرهابية وطائفية مثل «جبهة النصرة» وحزب الله يزيد الوضع تعقيدا وسوءا، والموقف الروسى الأمريكى الأخير يبدو أنه يسير بطريق حل انتقالى لحكم جديد فى سوريا يبقى على مصالح روسيا لكن مع زوال الأسد وزمرته، ويبقى الحكم على الثورة والثوار قائما لأن الشرفاء فى سوريا كسروا حاجز الخوف بلا رجعة والنظام الذى تسلح بالعروبة والقومية والمقاومة والعلمانية سقطت أقنعته كلها وتعرى تماما ليكشف عن وجه قبيح ملىء بالكذب والطائفية والطغيان والفساد.

سوريا هى معركة بين الحرية والاستعباد.. بين الحق والباطل.. بين الخير والشر، ودائما أبدا ومهما طال الأمد وطالت مدة المعركة نعرف من الذى ينتصر فى النهاية، والكل ينتظر بشوق وأمل وصبر المشهد الختامى الذى آن أوانه لنهاية حكم طاغية ونظام مجرم.

نقلا عن جريدة الشرق الأوسط.
الجريدة الرسمية