رئيس التحرير
عصام كامل

وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم (3)


الحملة المسعورة على رسول الله، صلَّى الله عليه وآله، لم تبدأ من أعداء الإسلام، بل بدأت من أبناءِ الإسلام أنفسهم.. بدأتْ حين جهِلْنا بقدْر رسول الله، صلَّى الله عليه، وآله، وسلم، ورضينا بهذا الجهل، ثم تطور الجهل فصار الحض على المس بصورته العظيمة، وخدش سيرته العطرة، علما، وتقوى.


وضع المتسترون برداء الإسلام قديمًا رواياتٍ ليس لها أدنى نصيب من الصحة، أساءتْ إلى الإسلام ورسوله.. وحوَّلت الدينَ السمح إلى دين مشوه؛ يهتم بالمتعة الحسية، ويضطهد المرأة، ويقزِّمُها، ويحولها إلى مجرد متاع، ووعاء للشهوة، ويقوم على الغلظة، ويحث على العنف، ويلتذُّ بالدماء، وينادي بالكراهية.

وشيئًا فشيئًا، صار ما بين دفتيْ كتب التراث من أكاذيب، وروايات مختلقة هو الإسلام، لكن حقيقة الأمر أنه إسلام غير الإسلام الذي نزل به النبي، بل إن النبي الذي تتحدث عنه تلك الكتب ليس هو سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.

امتدح الله نبيه، صلى الله عليه وآله، قائلًا: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ"، فكيف نصدق ما رُوِي من مزاعم تتحدث عن أدق تفاصيل حياته الشخصية، شديدة الخصوصية.. تلك التفاصيل التي يستحي منها الرجل العادي، والمرأة العادية؟! ومن أين عرف الرواة بتلك التفاصيل بالغة الدقة؟!

هل سمح لهم الرسولُ، صلَّى الله عليه، وآله، باختراق حرمة داره، وانتهاك ستره، وستر زوجاته، وآل بيته، حاشا لله! وكيف يسمحُ النبيُّ، صلى الله عليه وآله، لهم بأن يشغلوا أوقاتهم وأوقات غيرهم بتلك الروايات الملفقة؟! وهل كان الصحابة والتابعون تافهين، والعياذ بالله، إلى حد أنهم يمضون وقتهم الثمين في الاستماع وترديد تلك الأغاليط؟!

كيف نصدق مارواه "البخاريُّ" عن أنسٍ، رضي الله عنه، من قوله: "كان صلى الله عليه وآله، وسلم، يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار"؟!

وعن ميمونة، رضي الله عنها، قالت: كان صلَّى الله عليه وآله، وسلم، يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيّضٌ.. رواه البخاريُّ.

وهذا الوصف التفصيلي لموقف مشين، لو حدث في بيت أحدنا لبذل جهده للتعتيم عليه، خشية أن يعلم به الناس فيعيروه به..

يروي النسائي عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: زارتنا سودة يومًا فجلس رسولُ الله بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملتُ لها حريرة، فقلت: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلي، أو لألطخن وجهك، فأبتْ فأخذتُ من القصعة شيئًا فلطختُ به وجهها، فرفع رسول الله، صلَّى الله عليه وسلم، رجله من حجرها لتستقيدَ مني، فأخذتْ من القصعة شيئًا فلطختْ به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يضحك.. (هل كان لدى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، الوقت والفراغ لممارسة ذلك اللهو؟! وهل يعقل أن تهبط سلوكياته إلى ذلك الدرك؟! أستغفر الله مما نسبه مسلمون إلى نبيهم، وأبرأ إلى الله من تصديق ما يرونه).

وثالثة الأسافي، ما ترويه كتب التراث في باب "لا حياء في العلم"، ليبرروا اجتراءهم على رسول الله، صلى الله عليه وآله، وسلم، وهذا من قبيل (الحرب على رسول الله).. ومن تلك الروايات المغلوطة، شديدة السخافة، ما رواه البخاري عن أم سليم الأنصارية، رضي الله عنها، من أنها رسول الله صلى الله عليه وآله، وسلم: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة غسلٌ إذا احتلمت؟ لم يمنعها الحياء من السؤال، ولم يمنع الحياءُ الرسول صلى الله عليه وسلم من البيان؛ فقال: «نعم، إذا رأت الماء».

هل كانت الصحابيات بهذه الجرأة الشديدة، التي توصف بالوقاحة، والعياذ بالله؟! ألم تكن أمهات المؤمنين حاضرات، بحيث لو أن أيما امرأة أرادت أن تسأل عن أمر من أمور دينها، سيما المسائل المحرجة، كان من اليسير عليها أن تتوجه بسؤالها إلى إحداهن، بدلًا من سؤال النبي، صلى الله عليه، وآله، ومن المنطقي أن مجلسه كان مشغولًا بالعشرات من الصحابة، إن لم يكن المئات.

النبي صلى الله عليه وآله، وسلم، دعا إلى الحياء، وقال لأصحابه: «استحيوا من الله حق الحياء». فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي.. قال: «ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» (صحيح الترمذي).

وفي الحديث أيضًا: «الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» (صحيح الجامع).

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله، وسلم قال: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان».

وقال صلوات ربي وتسليماته عليه: «إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء» (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني).

روى أبو سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله، وسلم، قال: "الحياءُ من الإيمانِ والإيمانُ في الجنة، والبذاءُ من الجفاء، والجفاءُ في النار"، في معجم الطبراني، وسنن البيهقي، وأخرجه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح، وأخرجه البخاري في "الأدب" عن أبي بكرة.

علينا أن نستحي من الله ونكف عن الإساءة لرسوله، صلى الله عليه، وآله، وسلم، وأن نستفتي قلوبنا وعقولنا فيما نقرأ أو نردد كالببغاوات عنه؛ حتى يرفعَ الله عنا ما نحن فيه من البلاء، والمحن.
الجريدة الرسمية