رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

دين الحب (5)


في الحديث الشريف: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار". (متفق عليه عن أنس)، وقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم".


تيار الوهابية، ومن يستخدمون الدين لأهداف سياسية، يحرمون التوسل بالنبي، صلوات الله عليه، وآله، وبآل البيت، رضي الله عنهم ورضوا عنه، لكن الشيخ علي جمعة، وجمهور العلماء، يؤكدون أن التوسل مشروع؛ سواء كان بالنبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أو بغيره من الأولياء والصالحين، فالتوسل بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مما أجمعت عليه مذاهب الأئمة الأربعة المتبوعين.

وقال الشوكاني: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاواه ما لفظه: "والاستغاثة، بمعنى أن يطلب من الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيه مسلم، ومَن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر وإما مخطئ ضال".

والحديث الذي أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم: "أن أعمى أتى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أُصِبتُ في بَصَرِي، فادعُ اللهَ لي، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «تَوَضّأ وصَلِّ رَكعَتَين ثم قُل: اللَّهُمَّ إني أَسألُكَ وأَتَوَجَّه إليكَ بنبيكَ مُحَمَّدٍ، يا مُحَمَّدُ، إنِّي أَستَشفِعُ بكَ في رَدِّ بَصَرِي، اللهم شَفِّع النبيَّ فِيَّ، وقال: فإن كان لكَ حاجةٌ فمِثلُ ذلكَ»، فرَدَّ اللهُ تعالى بصرَه".

وقد جعل الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، المقامَ المحمود، مقام الشفاعة العظمى، وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه، وقال له: «سَل تُعطَه واشفَع تُشَفَّع» رواه البخاري.

وورد في الحديث الصحيح: «تُعرَضُ عَلَيَّ أَعمالُكم؛ فما رأيتُ مِن خَيرٍ حَمِدتُ اللهَ عليه، وما رأيتُ مِن شَرٍّ استَغفَرتُ اللهَ لكم» رواه البزار، وقد صح عن مالك أيضًا على ما رواه القاضي عياض في "الشفا": "أن آدم لما اقترف الخطيئة توسل إلى الله بمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال له: مِن أين عَرَفتَ محمدًا ولم أَخلُقه؟ فقال: وَجَدتُ اسمَه مَكتُوبًا بجَنبِ اسمِكَ؛ فعَلِمتُ أَنَّه أَحَبُّ الخَلقِ إليكَ، فقال الله: إنه لأَحَبُّ الخَلقِ إليَّ، وإذ تَوَسَّلتَ به فقد غَفَرتُ لكَ".

وقال الإمام مالك للمنصور - وقد سأله: يا أبا عبد الله، أأستقبلُ القبلةَ وأدعو، أم أستقبلُ النبيَّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-: ولـمَ تَصرِفُ وَجهَكَ عنه وهو وَسِيلَتُكَ إلى اللهِ ووسيلةُ أبيك آدمَ".

ومما سبق يُعلم أن زيارة الأولياء والتوسل بهم أمران مشروعان جرى عليهما المسلمون سلفًا وخلفًا، ولا يجوز إنكار ذلك، وثمة أدلة من القرآن، نوجزها في قوله تعالى: "وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم جَاءُوكَ فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا" (النساء:64).. فالآية الكريمة قد ورد الفعل (جاءوك) فيها في سياق الشرط، وورود الفعل في سياق الشرط يستفاد منه العموم كما صرّح بذلك الأصوليون.

وبهذا صرّح جملة من أكابر علماء أهل السنة في بيان الاستفادة من هذه الآية في جواز زيارة النبي، صلى الله عليه وآله، والتوسل به حيًّا وبعد انتقاله، وأيضًا يؤيد معنى الآية حديث عرض الأعمال وهو قوله، صلى الله عليه وآله: "حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم؛ تحدثون ويحدث لكم وتعرض عليَّ أعمالكم، فما وجدت خيرًا حمدت الله وما وجدت غير ذلك استغفرت لكم"، وهو حديث صحيح.

وروى الطبراني والبيهقي وغيرهما أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان، زمن خلافته في حاجة، فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فشكى ذلك لعثمان بن حنيف، فقال له أئت الميضأة (محل الوضوء) فتوضأ، ثم أئت المسجد فصل ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي لتقضي حاجتي، وتذكر حاجتك، فانطلق الرجل، فصنع ذلك ثم أتى باب عثمان فجاءه البواب، فأخذه بيده فأدخله على عثمان، فأجلسه معه، وقال اذكر حاجتك، فذكر حاجته فقضاها.
وهذه الرواية قد صححها الطبراني، والمنذري، والهيثمي، وهكذا غيرهم.

هذا كله بلحاظ الأدلة من كتب أهل السنة، أما كتب الإمامية فقد تظافرت الأحاديث الصحيحه - وقد أشار إلى جملة منها الشيخ عباس القمي في (مفاتيح الجنان) - بجواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار، ويبقى الدليل القرآني دليلًا ناهضًا للاستدلال به على جواز التوسل عند الفريقين.

ثبت أنه جاء أعرابيٌّ إلى قبر الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لزيارته، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما"، ثم قال مخاطبا الرسول: وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي، وأنشد يقول:
"يا خيرَ من دُفنت بالقاعِ أعظُمُـه... فطابَ من طيبهن القاعُ والأكمُ
نفسي فداءٌ لقبرٍ أنتَ ساكنُــه... فيه العفافُ ومنه الجودُ والكرمُ
أنت الشفيعُ الذي ترجى شفاعته... عند الصراط إذا ما زلت القدمُ"..

وكان بقرب مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رجل يسمى العتبي، سمع ما قاله ذلك الأعرابي، قال العتبيّ: فغلبتني عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم، فقال يا عتبيّ الحق بالأعرابي وبشّره بأنّ الله تعالى قد غفر له.
Advertisements
الجريدة الرسمية