رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

علاقات بين وجوبها وهامشيتها


لكل منا علاقاته المتنوعة في طبيعتها وعمقها وإحساسها، فهناك علاقة الزمالة، علاقة الصداقة، علاقة الزواج، علاقة الحب.. إلخ.

وبلا شك فكلٌ منا له دور في معظم تلك العلاقات مجتمعة ومنفردة أيضا، فالزوج نجده صديقا ونجده زميلا أو قد نجده حبيبا أيضًا في نفس الوقت.


ولتعدد علاقاتنا فهي متشابكة من خلالنا، فنجد أنفسنا محورها، مؤثرين فيها ومتأثرين منها بشكل أو بآخر.

العلاقات التي يتعرض لها الشخص يكون وقعها عليه مختلفة بدرجة قرب من تربطنا به العلاقة، فالعلاقات بين الأغراب مريحة وليست مقيدة ولا يتبعها مسئوليات أو واجبات أو تداعيات تفرض على الطرف الآخر، تختلف عن العلاقات الوطيدة بالحب والزواج والصداقة مثلا، فلتلك العلاقات مسئوليات وقيود ومتطلبات تخلق لتلك العلاقات ضغوط نفسية على أصحابها.

فبنظرة متفحصة للعلاقات نجد منها علاقات تضفي السعادة على صفحة يومياتنا، بتفاصيلها، بأحداثها والأهم بشخصياتها التي تدور في فلكها العلاقة.

يصف علماء النفس العلاقة الصحية أنها تلك العلاقة القائمة على حجر أساس صلب وهو قبول الآخر غير المشروط، وعدم محاولة تغييره، بل قبوله بصفاته وعيوبه إن أمكن التعامل معها أو تنحيتها عن طريق العلاقة لتكتمل وتستمر، وهي العلاقة المتبادل فيها التقدير والاهتمام والود وتتسم بكم من الاحتواء والاعتناء، تتسع لها يومياتنا، وتصبح جزءا أساسيا في حياتنا، فتنفرد بالسعادة، وتستحوذ على أكبر مساحة من رضاء العقل عن طبيعة العلاقة، وتسكن القلب بأريحية مطلقة.

أما العلاقة الضاغطة، يكون قبولنا على حقيقتنا في وضع شائك، فتقبل صفاتنا يعد مستحيلا فكيف هو الحال بتقبل عيوبنا، كما أن محاولة الآخر في تغيرنا أو لنكن أكثر دقة في تغير صفات بنا قد يعتبرها الآخر عيوب بنا، تجعلنا في حالة مقاومة مستمرة، صدام متوقع، رفض لأي تغير، تحفز دائم، وأخيرا عدم إحساس بالراحة من خلال تلك العلاقة.

فأحيانا الاختلاف قد يجعل الآخرين في حالة ندية مع من تربطهم العلاقة، يجعل العلاقة كالمبارزة، كالمصارعة، من فيهما سيتغلب على الآخر بفكره أو لنقل بفرض فكره وطباعه وعاداته وأسلوب حياته، لاعتقاده أو لإيمانه الذاتي أنه هو الأفضل!

من منهما سيتمكن من "لي" أفكار الآخر ويغيرها لتصبح متشابهة مع أفكاره، بل من منهما سيجعل شخصية الآخر تنزوي وتقف في ظل شخصيته، بدافع واه وغير منطقي بأن الحب تضحية وتنازل للآخر، وأن الصداقة تكيف وتماشي مع الآخر، وأن الزواج انزواء للشخصية في ظل رجل مسيطر تفرضها عقلية مجتمع شرقي.

فالانتقاد المستمر لن يتم إلا عن الرغبة في التقليل أو الانتقاص من الآخر، والتركيز والضغط على سلبيات الشخصية لا ينبع من شخصية محبة، كما أن التسفيه بما مر به الطرف الآخر من مواقف صعبة أو أزمات أو عثرات لا يعني أن الآخر يحاول تخفيف الأمر على شريكه بقدر ما يرسل صورة إنسان جاف أو غير مهتم أو متعالٍ أو لا يشعر بالآخرين، كما أن حصر أحد أطراف العلاقة في موقف المدافع دائما يجعل العلاقة في طريقها للنهاية، لإنهاك أحدهما الدائم في دفاعه عن تصرفاته ومواقفه وسلوكه، التي يجب تقبلها لإيجاد مبررات لأنه قام بها!

ولا ننسى طرح العلاقة العابرة، كلقاء مسافرين جمعتهما رحلة سياحية مثلا، أو الجيرة المؤقتة، أو زمالة دراسة لفترات متقطعة، أو التعلق بشخصية فيس بوكية مثلا، نعني هنا لقاءات إعجاب أو ود عابر في يومياتنا بشخصيات لم يكتب القدر بينهم باستمرارية العلاقة "وإن كانت ستنجح لو اكتملت"، ولكن هي عابرة بسبب الظروف، الوضع الشخصي، أو بسبب الحالة الاجتماعية.

على الرغم أنها علاقة عابرة، لكن من الغريب أن بعد انتهائها لا تعود الحياة كما كانت، فالإحساس سيختلف بداخل كل منهما، كما تختلف الحياة بعد لقائهما، إحساس بفقد عاطفة، انكسار مشاعر، أو لنقل افتقاد للذات التي ظهرت بوجود تلك العلاقة التي لم يكتب لها الاكتمال، فالعلاقة العابرة كالمخدر، ينتشي بها القلب، وتذوب في بوتقتها المشاعر، ربما يكون إحساسا صادقا، وقد يكون شعورا كاذبا لنزوة ضعيفة، لكن في النهاية يصحو العقل على ألم نفسي وغصة قلب تظل لوقت "طال أو قصر"، ولكن تظل علاقة أمتعت مشاعرنا وأضفت السعادة كمعنى تفتقده حياتنا لبعض الوقت، وإن ظل وقت يعادل العمر.

من منا تفحص علاقاته وصنفها وقسمها بين ما يجب أن تستمر وما يجب أن تهمش! بناء على عمق إحساسها بداخلنا، أو قرب أشخاصها منا، أو متانة أساسها، والأهم عن احتياجنا لتلك العلاقة!

من منا لم يقف حائرا بين رغبته في الغرق في عمق علاقة ما ليطفو على قمة السعادة بها وفيها! ومن منا لم يغامر بمشاعره، متمنيا، متخيلا، باحثا عن علاقة متبادلة المشاعر يعيش من خلالها عمر، حياة سعيدة!

ولنكن منصفين في الطرح، من منا لم يفشل بسبب الآخر الذي يعد شريكه في العلاقة بالمناصفة، وضغوطه وعدم تقبله لنا بلا محاولة لتغيرنا!

الحرية هي سر العلاقات.. فالذي يجعل العلاقات تنجح وتستمر هي إعطاء الآخر القدر الكافي من الحرية، حرية التعبير عن المشاعر، الغضب، الاستياء، الحنين، الألم، الندم.. أن نعطيه القدر الكافي من الثقة والتفهم، والاستيعاب الكافي لنا، وقبولنا للتعبير عن الذات دون الخوف من مواجهة قاضٍ يحاسب ويحكم على التصرفات والانفعالات والماضي وما هو آت.

حتما بعقل نضجت مشاعره سنعرف عمق الشخصية بوضوح إذا تقبلناها على حقيقتها، لا على ما سنغيرها له، فنتقبل عيوبها، بوعي شامل لأبعاد الشخصية، وبإدراك متناه للظروف يمكن أن نحب أو نصادق أو نتزوج بقبول الآخر بلا تهميش ماضية، أو تسفيه تجاربه، أو تشويه معالم مشاعره، أو تغير نمط سلوكه، أو طمس ملامح شخصيته، حتما سنجد علاقة دائمة، يجب تواجدها على صفحة أعمارنا.

حتما سنستطيع أن نحدد وجوب بعض العلاقات في يومياتنا من وجوب تهميش علاقات أخرى، حين نحدد ما أن كانت العلاقة فيها إنهاك لمشاعرنا وشخصياتنا، حين نعي حجم احتياجنا من عدمه لنا.

Advertisements
الجريدة الرسمية