رئيس التحرير
عصام كامل

ناصر «بعيد النظر» والسادات «سياسي».. هكذا رأى محيي الدين رفقاء يوليو

خالد محيي الدين
خالد محيي الدين

ليس هناك أقوى من رابطة الحلم، صديق اللحظات الصعبة ورفيق ساعات الخطر والحلم الكبير، بذلك يمكن أن ننظر رابة تنظيم أعضاء الضباط الأحرار وتحديدًا الرعيل الأول منها، تقاسموا كل شيء بدءًا من رحلة الحلم لتصحيح أوضاع الجيش ووصولًا إلى الصراعات والانتكاسات التي حدثت لهم.


وبعد سنوات طويلة كيف ينظر بعضهم إلى بعض، الكثيرون خشوا أن يعلنوا ذلك صراحة، لكن خالد محيي الدين الذي رحل عن عالمنا في مايو الجاري كان ضمن قلة الشجعان، ففي كتابه «والآن أتكلم» أبدى رأيه في رفاق حياته.

جمال عبد الناصر

وبداية من جمال عبد الناصر يقول خالد محيي الدين عنه «أحسست إنه شخصية قيادية حتى ونحن شبان صغار كان يفرض على الجميع وضعه القيادي وكان رجلًا بعيد النظر، لا يخطو خطوة إلا بعد أن يحسبها حساب دقيق ليس فقط لتداعياتها وإنما لمستقبل تلك التداعيات».

ويضيف «في البداية كان عبد الناصر يرفض فكرة الاشتراكية وفي جلسات نقاش طويلة كان يتمسك بفكرة تقول أن الصراع الطبقي هو مجرد قول يستهدف التغطية على صراع آخر حقيقي هو الصراع على السلطة لكن معركة عبد الناصر ضد إصرارانا على الديمقراطية قادته باتجاه آخر نحو استرضاء العمال والفلاحين فمضى في اتجاه الاشتراكية خطوة خطوة، وكان قارئًا ممتازا سواء قبل الثورة أو بعدها وحتى بعد أن أصبح حاكما متعدد المسئوليات كان يولي مسألة المعرفة اهتماما خاصا».

ويكمل في شهادته عن «ناصر»: «كان هناك جهاز خاص مهمته أن يلخص له الكتب المهمة وأن يترجم له العديد من الكتب والمجلات والصحف وحتى وأنا أستعد للسفر إلى المنفى وفيما العلاقة مشحونة بالتوتر برغم محاولات الهدوء التي أبداها كل منا طلب مني أن أرسل له كل ما أعتقد أنه مفيد من كتب ومجلات، ولعل شغفه بالمعرفة هو الذي جعله يهتم بمسألة المعلومات فكان لا يتخذ أي قرار إلا بناء على معلومات وهذا أحد أسباب اهتمامه الشديد بجهاز المخابرات العامة كأحد أجهزة جمع المعلومات وكان يهتم بالمعلومات أيضًا من أجل التعرف على كل من يتعامل معهم تعرف وثيقا ودقيقا».

ويكمل «ظلت العلاقة الشخصية حميمة بيني وبينه دوما وكان الاحترام متبادلا، وبعد عودتي من المنفي أقام عبدالناصر حفل عشاء في بيته وقال سندعو بعض الزملاء ومنذ اللحظة الأولى احسست أن الأمور قد تغيرت كثيرا،، كنا في السابق ننادية يا جمال فوجدت الجميع ينادونه ياريس وعندما قام عبدالناصر ليذهب إلى دورة المياه وقف الجميع وعندما عاد وقف الجميع حتى جلس وفيما بعد أوضح لي صلاح سالم الأمر فقال عندما ابعد نجيب وتولى عبدالناصر رئاسة مجلس الوزراء واصبح الرئيس الفعلي للبلاد طلب هو بنفسه أن نعامله كرئيس أمام الآخرين لكن ما لبثت الأمور أن استقرت على أن نتعامل معه جميعا على أنه رئيس»

عبد الحكيم عامر
أما عبد الحكيم عامر فيقول عنه خالد محيي الدين في شهادته «صديق قديم وعزيز ولعل الخطأ الأول في حق عامر هو أنه عُين قائدًا للجيش، لقد فعلها عبدالناصر لأنهما صديقان حميمان فأراد أن يضمن به ولاء القوات المسلحة لكن عامر لم يكن رجلا من هذا النوع هو عمدة طيب القلب يحب أن يقيم علاقات حسنة مع الناس وأن يتباسط معهم وهو لا يهتم كثيرًا بالضبط والربط فحياته ذاتها لم تكن منظمة فقد كان يسهر كثيرا ويصحو متأخرا».

ويضيف «ظلموه عندما عينوه قائدًا للجيش فهو شخص جماهيري ولو إنه كان قد عين نائبا لرئيس الجمهورية وتفرغ مثلا لهيئة التحرير لكان قد حقق نجاحات مبهرة فهو شخص مرح وطيب وقادر على إقامة علاقات شخصية حميمة، ولعله لم يهتم بهذا كثيرا بل غلبت عليه روحه الطيبة وشخصية العمدة فكان سخيًا على الضباط وكسب حبهم إلى درجة كبيرة ولكن النتائج النهائية لم تكن مفيدة لأحد لا لمصر ولا للجيش ولا له هو شخصيا».

ويكمل الصاغ الأحمر «بعد فترة اعتاد عبد الحكيم عامر على أنه الرجل الثاني في النظام ومن هنا بدأ في السعي للمزيد من النفوذ في المؤسسة العسكرية بهدف استخدامها كثقل ضروري يحدد خطواته المقبلة، وبدأ يقيم علاقات خاصة مع عدد من الوزراء والكتاب وأصبح البعض منهم معروفًا بأنه من رجال المشير وأثار ذلك حساسيات وتعقيدات كثيرة تفجرة بصورة مفزعة بعد النكسة، ولعل عامر قد أراد أن ينقل نفوذه من المؤسسة العسكرية إلى المجتمع المدني من خلال هذه العلاقات».

صلاح سالم

وبالنسبة لصلاح سالم يقول خالد محيي الدين «هو صاحب شخصية ذكية ذكاء فطريا معقد عاطفي إلى درجة كبيرة ينتقل بعاطفته من النقيض إلى النقيض بسرعة مثيرة للارتباط، منفتح واقعي يمتلك موهبة الإقناع بصورة لا يمكن تخيلها فهو قادر على أن يقنعك بعشرات الحجج بشيء ما وعلى أن يقنعك بنقيضه بحجج أخرى مضادة».

ويضيف «كان تقلبه العاطفي يقتاده إلى تقلب سياسي أيضًا فبعد أن فشلت جهوده في السودان من أجل الوحدة وبعد أن استقل السودان قرأ كتابًا للينين عن المسألة الوطنية وعن أهمية حق تقرير المصير للشعوب وتأثر جدًا بهذا الكتاب إلى درجة إنه فاجأني بعد عودتي من المنفي وبعد إبعاده هو أيضًا واختلافه مع عبدالناصر فاجأني قائلا: يا خالد أنا بدأت اقتنع بكلامك وقربت ابقى شيوعي فلما سألته مندهشا لماذا حكي لي قصة السودان وكتاب لينين وإنه اقتنع أن الضغط على السودانيين من أجل الوحدة كان خطأ والحقيقة أن علاقته بالشيوعية لم تتعد هذا، وقد ظلت عقدة السودان تلاحق صلاح وكان دائمًا وفي كل جلساته يؤكد أنه فعل ما هو المطلوب منه لكن الدولة لم تسانده بل وإن بعض رجالها كانوا يعملون ضده».

جمال سالم

أما جمال سالم فيقول عنه الصاغ الأحمر «شخصية مُسيطرة يفرضه نفسه ووجوده على من حوله وكان كالسيف نشيطا وفاعلا وذكيا فعندما تولى مسئولية الاقتصاد درس وتمكن ولعب دورا فاعلا لكنه كان من دعاة المدرسة الرأسمالية لهذا ما لبث أن اختلف مع الاتجاه السائدة نحو الاشتراكية، وكان ضد الديمقراطية بوضوح وعسكريًا متشددًا وجافًا وذلك كله اكسبه موقفا ضد الديمقراطية ونزوعا نحو التحكم واعتداد زائد عن الحد بالذات».

يوسف صديق
القائمة تشمل يوسف صديق، ويقول عنه خالد محيي الدين «علاقتي به قبل الثورة كانت محدودة للغاية وهو رجل شجاع اكتسب بشجاعته واستقامته احترام الجميع وهو صاحب الدور البارز ليلة الثورة وهو فوق كونه عسكريًا شديد المراس، أديبًا وخطيبًا وشاعرًا ويمتلك روح فارس من فرسان العصور الوسطي، ولعل روح الفارس هذه هي التي دفعته إلى التصادم المبكر مع مجلس الثورة فكان يطرح أفكار حادة وحاسمة كحد السيف ولا يقبل أي مساومة حولها، وينزل إلى وحدات الجيش ليعقد اجتماعات يتحدث فيها وبذات الحدة والحسم معلنا خلافاته مع مجلس الثورة مما أثار كل أعضاء المجلس ضده».

زكريا محيي الدين
ويقول عن زكريا محيي الدين «رجل متزن هادئ سواء في حياته الخاصة أو العامة، منظم ونموذج أمثل لرجل الأمن، وزكريا لا يتخذ موقف إلا بعد جمع المعلومات من مختلف الجهات، وهو رجل كفء وحقق نجاحات كثيرة في كل عمل تولاه ولكنه تصادم مع عبدالناصر بعد أن أصبح رئيسا للوزراء لأنه كان من أنصار المشروع الخاص ومن أصحاب الرأي القائل بان الطبقة الوسطي هي الطبقة الأكثر أهمية والأكثر قدرة على البناء ولهذا رفض أن يلقى العبء على الطبقة الوسطي واختلف مع عبد الناصر.

عبداللطيف بغدادي
وبالنسبة لعبد اللطيف البغدادي فكما يوضح خالد محيي الدين «صاحب عقلية سياسية متزنة ورؤية واضحة وكان منذ البداية ضد عودة الحياة النيابية، ويمتلك مقدرة تنظيمية وإدارية وتنفيذية وقد تولى مسئولية التخطيط فاستطاع بعقله المرتب أن يضع لمصر أول خطة وأن يقدم لمصر العديد من المشروعات المهمة، وهو معتد بنفسه لذلك عندما كان رئيسًا لمجلس الأمة وأثيرت مسألة تعيين بعض أعضاء مجلس الأمة في مديرية التحرير وتدخل عبدالناصر ليفرض رأيًا استقال لرأيه وكانت تلك نزعته دومًا».

كمال الدين حسين
ويصف كمال الدين حسين «كتلة من الإخلاص للوطن وللإسلام لكنه لم يكن إسلام متطرف وكان لا يقبل بمقولات جماعات الإسلام السياسي وهو شخصية وطنية بمعنى الكلمة وتولى الكثير وإدارة بنجاح وكان يختلف لكن باحترام».

حسين الشافعي
أما حسين الشافعي في نظر «محيي الدين» «رجل فاضل بحق وعلى خلق قويم ومستقيم ولعب دورا هاما ليلة الثورة بل هو فارسها ولعل الأحداث والتداعيات قد نقلت في عيون الآخرين صور غير صحيحة عنه».

السادات
أما السادات فيقول عنه خالد محيي الدين: «أكثرنا خبرة بالعمل السياسي ويمتلك خبرة سياسية واسعة ويعرف كيف يكون لنفسه وضعًا خاصا وعلاقات خاصة، فعندما أعد البيان الأول للثورة وفشل أحد الضباط في تلاوته في الإذاعة تقدم السادات في اللحظة المناسبة ليقوم هو بتلاوته ليكتسب بذلك ميزة إنه هو الذي أعلن قيام الثورة».

ويضيف «بعد فترة وجيزة أكتشف أن عبدالناصر هو مركز الثقل الحقيقي في مجلس الثورة فالقى بكامل ثقله في اتجاهه ووقف معه دائما ولم يختلف معه ابدا ولم يتصادم ابدا مع أي مركز للقوة فما إن أحس أن عامر قد أصبح ذا نفوذ حتى هادنه هو الآخر، فالسادات شخصية تمتلك مقدرة التوجه للجماهير وفهم نوازعها ومخاطبتها بما تريد وكان في كل تعاملاته حريصًا على مخاطبة الناس أو حتى مواجهتهم على أساس إدراكه لحقيقة نوازعهم الشخصية ولهذا صمد طويلا مع عبدالناصر وبقى حتى صار خليفته رغم أنه لم يكن ابدًا لا الأقرب ولا الأهم».
الجريدة الرسمية