رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

قيامة المسيح قيامة لقلوبنا


في كلِّ سنةٍ، وفي مثلِ صباح هذا اليوم، صباح يوم أحد القيامة نُحيّ بعضنا بهذه الكلمات الجميلة والنابعة من القلب المملوء بالإيمان والثقة بالمسيح القائل: "انقضوا هذا الهيكل، وأنا أُقِمْهُ في ثلاثة أيام" (يوحنا 19:2)، ونقول: المسيحُ قام، حَقًَا قام.. ونعلن هذا الخبر المُفرح للبشرية جمعاء.


يسوع المسيح الذي أعلنه ملاكُ الربّ يومَ ميلاده لرعاة بيت لحم: "فرحًا عظيمًا للعالم كلِّه" (لوقا ١0:1)، هو نفسه الذي تعذّب وتألم ومات على الصليب فاديًا ومخلّصًا للإنسان، وهو البار، كما "اعترف قائد المائة لمّا رَأَى ما حدث ويسوع على الصليب، مجَّدَ الله وقال: "حقًّا هذا الرجل كان بارًا" (لوقا 47:23)، هو الذي قام في اليوم الثالث من بين الأموات. وقد أعلنه الملاك نفسه للمرأتين قائلًا: "لا تخافا أنتُما. أنا أَعْلَمُ أنّكُما تَطلُبانِ يسوعَ المَصلوب. إنّهُ ليس هَهُنا، فقد قام كما قال. تَعاليا فانظُرا المَوضِعَ الذي قد وُضِعَ فيه. وأسرِعا في الذهابِ إلى تلاميذِهِ وقولا لهم: "إنه قام مِن بين الأموات، وها هُوذا يَتَقدَّمُكم إلى الجليل، فهناك تَرونَه. ها إنِّي قد بلَّغتُكما" (متى 5:28-7).

القيامة تُعلّمنا الحقّ:
في عيد قيامة المسيح، عيد عبوره بالبشرية إلى حياةٍ جديدةٍ، نعيش هذه الأيام، في بلدان الشرق الأوسط والعالم، أيّامًا قاتمة من الإرهابِ والحربِ، والعنفِ والتدميرِ، والجوعِ والتهجيرِ والقلقِ على المستقبلِ والمصير. لكن نور المحبّة والسلام المشعّ من قبر المسيح الفارغ، وقد دُحرِجَ عنه الحجرُ الكبير، يدفع بنا جميعًا وبخاصّة المسيحيين إلى صخرة الرجاء بيسوع المسيح الذي أصبح سيّد العالم بموته وقيامته، وبه نُوطّد حضورنا ورسالتنا. بالرغم من الحروبِ والأسلحةِ الفتاكة والإرهابِ والتسلطِ وسلطة حبّ المال، وتبقى للمسيح الرّب الكلمةُ الأخيرة، كلمة الحقّ في وجهِ الكذبِ والتضليل، وكلمة المحبّة في وجهِ البغضِ والقتلِ، وكلمة السلام في وجهِ العنفِ والحرب.

فإلينا وإلى كلّ واحدٍ منّا يتوجّه بولس الرّسول بالتذكير الموجّه إلى تلميذه طيموتاوس: "تذكّر يسوع المسيح الذي قام مِن بين الأموات... ولذلِكَ أصبِرُ على كُلِّ شَيْءٍ من أجلِ المختارين، ليَحصلوا هم أيضًا على الخلاص الذي في المسيحِ يسوع وما إليهِ مِنَ المجْدِ الأبدي. إنَّه لقولُ صِدْقٍ أنَّنا "إذا مُتنا مَعَهُ حَيينا مَعَهُ، وإذا صَبَرنا مَلَكنا مَعَهُ، وإذا أنكَرْناهُ أنكَرَنا هو أيضًا، وإذا كُنَّا غيرَ أُمناء ظلَّ هو أمينًا لأنّهُ لا يُمْكِنُ أن يُنكِرَ نفْسَهُ" (طيموتاوس الثانية 8:2-13).

القيامة أساس الإيمان
ليس إيمان تلاميذ يسوع هو الذي أوجد القيامة، بل اللّقاء بالمسيح القائم من الموت هو الذي ولَّد إيمانهم الثابت بحقيقةِ واقعهِ الجديد الحيّ لدى الله. فكانوا يُردّدون: "الرَّبَّ قامَ حقًّا، وتراءَى لسِمعان" (لوقا 34:24). وصدى تردادهم يتواصل إلينا بالتحية الفصحية: "المسيح قام! حقًا قام".

حقيقة القيامة أساس يرتكز عليه الإيمانُ المسيحيُّ بالخلاص وقيامة القلوب ونقاوة الضمائر، كما يُؤكّد بولس الرسول بقوله: "إنْ كان المسيحُ لم يقمْ، فتبشيرُنا باطِلٌ وإيمانُكم أيضًا باطِل. بل نكونُ عِندَئذٍ شُهودَ زورٍ على الله، لأنّنا شَهِدْنا على اللهِ أنَّه قد أقامَ المسيح، وهو لم يُقيمْه" (قورنتس الأولى 14:15). ويضيف: "ونحن نُؤمنُ بأنَّ يسوع قد مات ثمَّ قام" (تسالونيقي الأولى 14:4). هذا يعني أنَّ من موته وقيامته وُلدت البشرية الجديدة، مثل السنبلة من حبّة الحنطة التي تموت في الأرض "الحقَّ الحقَّ أقولُ لَكُم: إنَّ حبَّةَ الحِنطةِ التي تَقَعُ في الأَرْضِ إن لَم تَمُتْ تبقَ وحدَها، وإذا ماتَت، أخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا" (يوحنا 24:12).

وأنَّ الحياة الإلهية التي نقلَتْها طبيعةُ المسيح البشرية بتجسده، قد نُقِلتْ بموتهِ وقيامتهِ إلى البشرية جمعاء، وهي تتحقّق في كلّ إنسان مُؤمن، بقوّة الرّوح القدس وخدمة الكنيسة الكهنوتية. بهذا المعنى أكّد بولس الرسول: "فإذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أنّ يسوع ربّ، وآمنتَ بِقَلبِكَ أنّ الله أقامَه من بينِ الأموات، نِلتَ الخلاص" (رومة 9:10).

ليست القيامة نتيجة إيمان التلاميذ، بل بالأحرى هي سبب إيمانهم. فظهرَ لهم مساء يومِ الأحد وكانوا مجتمعين في دارٍ أُغلِقتْ أبوابُها، خوفًا من اليهود، فجاء يسوعُ ووَقَفَ بيَنهم وقال لهم: "السَّلامُ عليكم، سلامي أُعطيكم" (يوحنا 19:20). وعندما ظهرَ للتلميذين على طريق عماوس وهما عائدَين إلى قريتهما مُحبطَين، مُكئيبَين، خائفين، قليلَي الفهم وبطيئَي القلب عن الإيمان، وسار يسوع الطريق معهما حتى القرية، ولم يعرفاه الاّ عند كسر الخبز (يوحنا 13:24-35).

والتلاميذ الأحد عشر المجتمعون في البيت من جديد والأبواب مغلقة، ارتعبوا واستولى عليهم الخوف، لأنهم ظنّوا أنّهم يَرون روحًا، وعندما وقف يسوع بينهم وقال لهم: "السلام معكم. أنا هو لا تخافوا" (يوحنا 33:24)، وتراءَى آخِرَ الأمرِ للأحَدَ عَشَرَ أنفُسِهم وهم على الطعام فوبّخّهُم بِعَدَمِ إيمانِهِم وقَساوةِ قُلوبِهم، لأنّهم لم يُصّدِّقوا الَّذِينَ شاهَدوه بعد ما قام (مرقس 14:16). وحتى آخر لحظة، أي بعد أربعين يومًا من قيامته، وقَبلَ صعودِهِ إلى السماء، ظلّ بعضٌ من تلاميذه الأحد عشر "مُشكّكين ومُرتابين" (متى17:27).

قيامة المسيح وقيامة القلوب
بقيامة المسيح قامت قلوبنا، وأصبحنا خلقًا جديدًا، نلناه بالمعمودية التي هي بداية حياة دائمة فينا تقوم كلّ يوم وتنتصر على الموت عن الخطيئة والقيامة لحياة جديدة. أجل كلّ يوم، بنعمة المسيح في سرّ التوبة والقربان المُقدّس وفعل الرّوح القدوس، يُدعى كلّ واحد منّا ليموت عن الكذب والنفاق والغش، ويقوم لإعلان الحقيقة التي تحرّر وتجمع. ليموت عن الشرّ والميول إليه، ويقوم لفعل الخير والالتزام به. ليموت عن الظلم وقساوة القلب، ويقوم لإحلال العدالة والتحرّر من قيود العبودية والسيطرة بالقوة.

ليموت عن سرقة المال العام والخاص وعن الرشوة، ويقوم للكرامة والشفافية وعزّة النفس وكسب الخبز بعرق الجبين. ليموت عن الحقد والبغض والكراهية، عن الافتراء والنميمة، ويقوم لحالة المحبّة والمشاعر الإنسانية ولاحترام كرامة كلّ إنسان وحقّه في الصيت الصالح. ليموت عن العنف الحسّي والمعنوي، ويقوم لروح السلام والإخاء.

ليموت عن الكبرياء والامتلاء من حُبّ الذات والتمرّد على إرادة الله وعلى السلطة في العائلة والكنيسة والمجتمع، ويقوم إلى مسلك التواضع والتجرّد وإخلاء الذات والطاعة والوداعة. ليموت عن الفساد في الإدارة وعن استغلال السلطة والمسئولية لمصلحة خاصّة ومكاسب فئوية ولتعطيل التنمية بكلّ أبعادها، ويقوم للالتزام النبيل والمتفاني بالخير العام والنهضة والعمران. وبكلمة موجزة، نحن جميعُنا، بفضل قيامة المسيح من الموت، مدعوّون لنتخلّق بأخلاق المسيح (فيليبي 5:2). فنعيش اختبار بولس الرسول: "فما أنا أحيا بعد ذلك، بلِ المسيحُ يَحيا فيّ. وإذا كنتُ أحيا الآن حياةً بَشَريّة، فإني أحياها في الإيمان بإبن الله الذي أحبَّني وجاد بنفسِهِ من أجلي. فلا أُبطِلُ نِعمةَ الله" (غلاطية 20:2-21).

القائم من بين الأموات سلامنا
من المسيح الذي "هو سَلامُنا" (أفسس 14:2)، وبقيامتهِ حطّم جدران الانقسامات والتفرقة، وحقّق الأخوّة بين الناس، جاعلًا من الجميع أبناءً وبناتٍ لله ببنوّته الأزلية، نلتمس السلام للعالم ولأوطاننا، وبخاصّةٍ للبلدان التي، في عالمنا العربي، تُطالب وتسعى وتثور من أجل العيش بكرامةٍ ورفاهية، والتمتُّع بحريّاتها الشخصية والعامّة، وبحقوقها الأساسيّة، وبأنظمةٍ ديمقراطيّة تحترم كرامة كلِّ إنسان وشعب، وتُعزّز التنوّع في الوحدة، وتُشرك الجميع في مسئولية الحياة العامة، وتنفي الأحادية والفئوية وفرض الإرادة والتحكّم بمصير المواطنين، وتُمكّن كلّ مواطن، من أيّ دين أو ثقافة أو عرق أو انتماء كان، وكلّ مجموعة، مهما كان نوعها، أن يكون وتكون قيمة مضافة في نسيج المجتمع والوطن.

قيامة المسيح قيامةً للقلوب وإيقاظًا للضمائر وإعلانٌ للحقّ وانتصار على الشرِّ "والسّحرَة والزُّناةُ والقتلة وعبدةُ الأوثان وكل من أحبّ الكذب وافتراه" (رؤيا يوحنا 15:22).. بقيامتهِ "يمسح كلَّ دمعةٍ تسيل من عيون المظلومين والمتألمين... وأسر الشهداء.. ولا للموت ولا للحُزنِ ولا للصراخ ولا للألمِ لن يبقى وجود بعد الآن، لأن العالم القديم قد زال" (رؤيا يوحنا 4:21).. وبدأ عهدٌ جديد وسماءً جديدة وأرضًا جديدة عليها مجد الله.. فالمسيح القائم من الموت هو سلامنا ورجاؤئا ومحقق أمنياتنا بالحقّ والنِعمة، وبهذا الإيمان نُردّد:
المســيح قــام... حقــًا قــام.
Advertisements
الجريدة الرسمية