رئيس التحرير
عصام كامل

وبالوالدين إحسانا.. حكاية تحقيق الحلم

فيتو

أتذكر أمي توقظني في الصباح الباكر، لأكابر وأعاند، رويدا رويدا أفيق، أجدها قد انتظرتني طويلا تحثني أن أذهب إلى المدرسة التي طالما تثاقلت عنها، إلا أن أمي دائما كانت تبث بي روح العزيمة، وأنني فخرها، والتفوق في الدراسة هو وسبيلها وسبيل عائلتي للسعادة.


وأينما أرى وجه أبي، أراه باسم الثغر دائما، ما أرقتني نظرته المتأملة بي، أمله ودعائه، كنت أحمل عبئا ثقيلا منذ صغري، فما كان أبي يراني طفلا أبدا مثل باقي من هم بمثل سني، دائما يضعني موضع الرجل القويم الذي سيحمل اسم العائلة، لم يهن إحساسي بكلمة واحدة، لم يعنفني من قبل عندما أخطيء، لكن نظرته دائما كانت اللوم الأكبر لي عن خطئي.

كان ينهر الصغير والكبير إن قللوا من شأني، دائما يلقبني بألقاب فخرية؛ في لومه أو تشجيعه، ثنائه أو أساه، لم يجبرني قط على الدراسة، دائما ما كان يقول "البالطو الأبيض مش ببلاش يا دكتورنا"، ولم يدع أحد أقاربي يسخر من هذا اللقب منذ صغري، لم أعتد أن يستدعيني سوى بلقب "الدكتور".

أحسست برعب شديد من الانتكاسات التي مررت بها خوفا من خيبة ظن أهلي الذين كرسوا حياتهم لخدمة طموحي وحلمي، وثابرت حتى أصبح الحلم حقيقة، وإن لم يكن كما تمنيته كليا، التحقت بكلية العلاج الطبيعي، جامعة القاهرة، وحينها كأن والدي الذي بلغ من العمر أرذله، قد عاد شابا في الأربعينيات فرحا مرحا، يوزع المنح والعطايا على الجميع احتفالا بنجاحي وأنني حققت حلم العائلة وأصبحت " الدكتور".

والدتي التي لم تذق للنوم طعما إلا قليلا، طيلة هذه السنوات، تعينني وتهييء لي كافة الظروف لأدرس، كانت مصباحي المضيء حينما تُعتم الحياة، باب الأمل حينما يوصد الجميع أبوابهم بسبيلي، ولكم كانت تسعد حينما أقبل عليها بـ"البالطو الأبيض"، ولا تكتمل سعادتها سوى بتنظيفه يوميا فرحة بوليدها وتفوقه.

أنهيت دراستي بالكلية وحان وقت التنفيذ العملي لخبرة هذي السنوات، اليوم يا أمي سأصبح طبيبا كما اعتدتِ الفخر باسمي ولقبي أمام الجيران، سأصبح " الدكتور" و"اليد الحانية" و"القلب الرحيم" الذي طالما لقبتني بعدهم يا أبتي!

حفل تخرجي اليوم، وجدت فرحة في وجه والداي حثت عيناي على البكاء، أخبرني أبي أن أصطحب معي عمي وأولاده لحفلة تخرجي كيلا أكن وحيدا، نظرا لعجزهما عن الحضور لأسباب صحية، نظرت بأعين أبي ورأيتها فرحة لكنها منكسرة لأنه لن يشارك وليده فرحة طالما انتظرها سنوات من السَهد والتعب، والأمل!

أصررت على ذهابهم برفقتي لحفل تخرجي، تأخرت قليلا على الحفل إلا أنني في نهاية الأمر وصلت!

لم أصل هذا اليوم لحفل تخرجي وشهادتي ولقب طبيب وحسب، وصلت حينها لنظرة حانية فخورة وفرحة من والدي، كنزي في الدنيا، وسبيلي لجنة الآخرة.

كم كنت أشعر بفخر مضاعف أثناء ذهابي برفقتهم لحفلي، قد شعرا بفخر لأني ابنهم ولأنني وأخيرا أصبحت "الطبيب"، إلا أنني كنت أكثر فخرا لأنهما "أمي وأبي".

يا الله! كم عانيا لأجلي، وآثرا العجز والاحتياج والجلد والتحمل لأجلي، وأنا لم أشعر بما قدماه لأنني كنت أحمل همي وحسب، كرسا حياتهما لأجلي، ولأجل لقب ارتضيا السعادة فيه؛ فاللهم أسعد قلبهما، والدي ووالدتي يا الله!


وصدقا يا بشر، هما ملائكة الأرض "وبالوالدين إحسانا".

الجريدة الرسمية