رئيس التحرير
عصام كامل

عاشوراء.. فرح ولطم وأزمة «ملف»

فيتو

«عاشوراء» ذكرى إسلامية ما زالت تشكل لحظة تاريخية في وجدان الأمة، فهو يوم حزين للبعض نظرا لأن اليوم العاشر من محرم شهد استشهاد الإمام الحسين، فيما يراه آخرون ذكرى سعيدة، نجا الله فيها نبيه موسى من فرعون مصر.. وما بين الطقوس السعيدة والحزينة تتعدد احتفالات هذا اليوم، ليبقى عاشوراء ذكرى الأزمة وأزمة الذكرى.


1-«عاشوراء المصريين».. فرحة ولمة ولقمة

لدى الأيام العشر الأولى من شهر محرم عند المصريين مكان خاصة، بعيدا عن اختلاف المذاهب الإسلامية ما بين نجاة موسى واستشهاد الحسين.

يعد أول من أحيا ذكرى يوم عاشوراء، الدولة الفاطمية، فقد كان للشعب المصري طقوس خاصة بهم في الاحتفاء بهذا اليوم، وكان يطلق على أول 10 أيام من شهر محرم عادة شراء «الميعة المباركة».

و«الميعة المباركة» يقصد بها البخور الذي يستخدمه المصريون آنذاك، للوقاية من «شر العين الحاسدة»، فوقتها كان الباعة ينتشرون في الشوارع، حاملين «الميعة» وصوتهم ينادي: «ميعة مباركة»، «سنة جديدة»، «عاشوراء مباركة»، «إن شاء الله تكون أكثر السنوات بركة على المؤمنين»، «يا ميعة يا مباركة».

ويذكر موقع ذاكرة مصر المعاصرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، أنهم «من أكثر شعوب العالم تمسكًا بالعادات والتقاليد المتوارثة من قديم الأزل، ويبدو هذا واضحًا جليًّا من خلال طقوس حياتهم اليومية وسلوكهم اليومي، بالإضافة إلى مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات المختلفة». 

ومن مظاهر الاحتفال بهذا اليوم عند الفاطميين، إن عددا من نساء مصر اعتادوا وقتها حمل أطفالهن على أكتافهن والانطلاق بهم في شوارع القاهرة أو يعهدن بهم إلى امرأة أخرى بـهدف استدرار عطف المتأنقين المتهندمين في الشارع، فيطلبن الزكاة منهم، مناديات، بـزكاة العشر يا سيدي، ويكون نصيب كل طفل من الصدقات وقتها يساوي 5 فضات من كل فرد، ويصرف (أحباب الله) الفضيات التي جمعوها في شراء الحلويات.

ويقدس المصريون هذا اليوم، لأنه «استشهد فيه الحسين، حفيد الرسول محمد، في معركة كربلاء»، فيما يقدسه آخرون لأسباب مختلفة منها أنهم «يعتقدون أنه يوم اللقاء الأول بين آدم وحواء بعد طردهما من الجنة، وهو اليوم الذي خرج فيه نوح من فلكه»، بالإضافة إلى اعتقادهم أنه «يوم الأحداث الكبيرة»، فضلًا عن أنه «يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه».

واحتفال المصريين بـ«عاشوراء» يكون بطبق مذاقه حلو، واسمه «عاشوراء»، حيث يتكون من القمح المنقوع في الماء مدة يومين أو 3 أيام، ويكون منزوعًا منه قشره، بعد غليه يحلى بالعسل أو بدبس السكر فوق النار، وقد يستبدل القمح بالأرز، ويزين عادة بالجوز والبندق والزبيب.

2-«عاشوراء الصوفية».. المساجد والساحات ليلة حب في الحسين

يستعد أبناء الطرق الصوفية للاحتفال بذكرى عشاوراء، والتي تمثل وقعا جليلا على قلوب المريدين ومشايخهم لما لهذه الذكرى من مكانة خاصة فهو يوم استشهاد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن فاطمة الزهراء بنت خاتم الرسل.

وللطرق الصوفية طبع خاص لديهم، والاحتفال به يكون بالصيام، وأداء الصلوات، وزيارة مراقد آل البيت وفي مقدمتها مرقد الإمام الحسين، حتى ولو أغلق من قبل وزارة الأوقاف، ولكن يبقى مسجد الإمام الحسين إحدى وجهات إحياء ذكرى عشوراء، حيث كان يحتشد الناس على طول الطرق المؤدية إلى المسجد، ويكتظ محيط المسجد بالزائرين.

وتشكل مراقد ومساجد الأولياء وآل البيت في القاهرة والمدن المصرية وجلسات الذكر في القرى والنجوع أبرز طرق إحياء ذكرى عاشوراء لدى أبناء الطرق الصوفية، فهي ليلة من أجل حب الحسين حفيد الرسول (صلى الله عليه وسلم).

ويحيي الصوفيون ذكرى عاشوراء في مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الحسين، مرورًا بأبي الحجاج في الأقصر، وأبي الحسن الشاذلي في البحر الأحمر، وفي الإسكندرية يقطن المرسي أبو العباس، نزولًا إلى سيدي إبراهيم الدسوقي وحتى السيد البدوي بطنطا، كما يرتحل المريد للمنوفية للاحتفال بمولد سيدي شبل، بالإضافة إلى مقرات الطرق الصوفية.

3-«الحسين».. شهد عاشوراء كل عام 

يشكل إحياء ذكري عاشوراء أزمة كبيرة لإدارة مسجد الإمام الحسين في قلب العاصمة الفاطمية قاهرة المعز، حيث يحرض السلفيون كل عام ضد إحياء الشيعة المصريين وأبناء الطرق الصوفية لذكرى عاشوراء، مما يؤدي بالأمن إلى إغلاق الضريح والمسجد أمام الشيعة وأبناء الطرق الصوفية.

ومنذ 2011 يتم غلق مسجد الإمام الحسين لأسباب مختلفة ما بين الصيانة والدواعي الأمنية، مع ارتفاع وتيرة تهديد السلفيين للشيعة والصوفية دون محاسبة أصحاب دعوات التهديد، ولكن التهديد السلفي بلغ ذروته هذا العام بدعوة الداعية السلفي سامح عبد الحميد، بهدم ضريح الإمام الحسين، وهو ما أشعل غضب الصوفيين وأكدوا على الدفاع عن أضرحة ومراقد آل البيت في مصر وهو ما يهدد بتأزم الأوضاع في مصر.

4-«عاشوراء الشيعة».. لطم ودم ومجالس عزاء
 
لأتباع الطائفة الشيعة طقوس خاصة لإحياء ذكرى عاشوراء واليوم المرتبط باستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتدوم التحضيرات لتلك الذكرى السنوية عشرة أيام ابتداء من اليوم الأول حتى اليوم العاشر من شهر محرم من السنة الهجرية.

تمثل مجالس العزاء في الحسينيات أبزر مظاهر إحياء الشيعة لذكرى عاشوراء، والتي شهدت بعض الأزمات خاصة في الكويت مع ترحيل بعد رجال المذهب الشيعي لتطرفهم وسبهم للصحابة وهم في الغالب يكونون من أتباع التيار الشيرازي في المرجعية الشيعية.

وتمثل زيارة مرقد الإمام الحسين في محافظة كربلاء العراقية، أهم طقوس إحياء ذكرى عاشوراء لدى الطائفة الشيعية، حيث يزور الملايين من المسلمين الشيعة من دول الخليج ولبنان ودول عربية أخرى وإيران والهند وباكستان فضلا عن مغتربين عراقيين في أوروبا للمشاركة في إحياء ذكرى عاشوراء.

وتمثل مواكب العزاء الشيعية حزنا على الإمام الحسين وأهل بيته في واقعة "الطف" التاريخية الشهيرة التي وقعت في شهر محرم، في محافظة كربلاء المقدسة لدى الطائفة الشيعية، جزءا مهما من إحياء عاشوراء، حيث امتلأت الشوارع والأزقة بالآلاف من الزوار القاصدين مرقد (قبر) الإمام الحسين وآخرون جندوا أنفسهم وجهدهم لخدمة القادمين إلى المدينة من عراقيين وعرب وأجانب، وتبلغ المراسم ذروتها بمسيرة ضخمة تضم مئات الآلاف، من بغداد إلى كربلاء.

وهناك مئات الرجال وحتى الأطفال يرتدون ملابس سوداء اللون يسيرون في الشوارع وهم يضربون ظهورهم بمجموعة من الزناجيل (السلاسل) تعبيرا عن حزنهم لمقتل الإمام الحسين، حسب معتقداتهم، مرورا باللافتات والأعلام والموسيقى والأغاني الدينية الصاخبة في العديد من الأماكن، وانتهاء بحيثيات الاحتفالات أو "اللطميات" وهي نوع من أنواع الأناشيد الدينية التي تمجد آل البيت المقربين من النبي محمد عليه الصلاة والسلام وخاصة ابن عمه الإمام علي وسلالته.

ومعركة كربلاء أو "واقعة الطف" استمرت ثلاثة أيام وختمت في 10 محرم سنة 61هـ (12 أكتوبر 680م)، بين أتباع الحسين بن علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة بنت نبي الإسلام، محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، من جهة وجيش يزيد بن معاوية، من جهة أخرى، وفيها استشهد الحسين الملقب بـ"سيد الشهداء".

وفي إيران، فإن المواطنين يحصلون على يوم إجازة للتفرغ لإحياء ذكرى عاشوراء، الوقوف في ساحة شاسعة تستوعب أعدادهم لتبدأ معركة تقطيع الأجساد ونزيف الدماء، ويحضر قادة الدولة مجالس العواء وعلى رأسهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
الجريدة الرسمية