رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نكتب ولمن نكتب.. وماذا نكتب؟!


حاول ألا تصدر أحكامًا مسبقة.. إجابات مسبقة.. حلولا مسبقة، فالأمر بالفعل يستحق أن نتراجع خطوة واحدة للوراء.. نعيد النظر في الأمر، ونخرج من الدائرة الضيقة لما هو أرحب.. وقتها ستكتشف أن الإجابات المعلبة جاهزة الاستخدام للرد على هذه الأسئلة لن تكون صالحة لـ"التداول الآدمى"، والأحكام التي سبق أن أصدرتها وأنت "مرتاح البال"، ظالمة ولا تقترب من العدالة قيد أنملة.


لنبدأ بطرح الإجابات المعلبة.. بالطبع الإجابة عن السؤال الأول "لماذا نكتب؟" ستقول لأننا رُسل الكلمة، وعلينا تبليغ الرسالة، وهناك من ينتظرونا كل صباح ليقرأوا ماذا كتبنا لهم، ويحددون مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم.

أنت مصدق نفسك كده..
كواحد من الذين يمتهنون الكتابة، لا أصدق هذه الكلمات، ليس هذا فحسب، لكن قناعتي تشير إلى أمر واحد فقط، وهو أننا نكتب لأننا لا نعرف أمرًا غير الكتابة، نلعنها في الصباح، وفي المساء لا نجد غيرها لتؤنس وحدتنا الإجبارية.. الكتابة مرضنا النفسي الذي ندرك حجم إصابتنا به جيدًا، وكم من مرة أقسمنا أن نذهب لطبيب يخلصنا منه ومن آثاره الجانبية، لكننا مرضى وقعنا – للأسف- في عشق المرض، فلا ننتظر كلمة شكر من قارئ، في زمن عزت فيه القراءة، ولا "طبطبة ع الروح" من يد كنا نظنها صديقة، واتضح أنها "نيران صديقة".. باختصار نحن مرضى بالأبجدية، وأحلام طفولة كانت -ولا تزال- تراودنا عن أنفسنا في كل لحظة.. نحن نكتب لأننا فاشلون في بقية أمور الحياة.. ولا جديد في الأمر.

لمن نكتب..؟
بالقطع دون أي تفكير، سينطق لسانك "نكتب للجماهير التي تنتظرنا"، نكتب للآلاف الذين يقفون على أصابع أقدامهم في انتظار ما سنقول، نكتب للعشرات الذين يحملون كتاباتنا ويضعونها أمام أعين أطفالهم، لعلهم يكبرون يوما ويصبحون مثلنا، نكتب للفلاحين لنوفر لهم متكئا مريحا يركنون إليهم بعد "حنية الظهر" تحت شمس بلادنا الحارقة.. نكتب للعمال، لتتحول أصوات ماكينات المصانع، بفعل كلماتنا، إلى مقطوعات موسيقية تمنحهم الأمل في الغد الأجمل الذي لم يأت بعد.. نكتب لقادتنا الذين يستنيرون بكلماتنا في ظلمات السياسة، وتكون لهم نبراسًا ينير لهم الطريق فيصنعون لنا وللناس وجبة دسمة من الإنجازات والنجاحات. 

هناك من يظن أنه يكتب من أجل ما سبق.. أما أنا فأكتب لأمى، لترى صورتى في الصحيفة وتقبلها بفمها الرقيق، فتذوب الأوراق بفعل دموعها، ولا شيء آخر، فأمى لا تعرف القراءة والكتابة، لكنها تحب التطلع إلى صورة وليدها الذي رحل، بعدما وقع في فخ "نداهة القاهرة"، أكتب لأبى لأقول له إن اسمك سيمر على عيون أخرى، غير أعين موظف البريد الذي يمنحك معاشك الشهرى، والمخبر الذي كان يكتب عنك التقارير، عندما كنت مصنف "ضد النظام"، ومحصل النور، الذي فشلنا –مرات عدة- في منحه ثمن فاتورة استهلاكنا فقطع الخدمة عنا، وحاجب المحكمة الذي يتلذذ بذكر اسمك عند نظر الدعاوى القضائية التي حركتها لتطالب بحقك.

أكتب لهؤلاء لأن الواقع يؤكد أن الجماهير العريضة لا تقرأ.. "أكل العيش" أهم من القراءة، جنيهان للصحيفة، يكفيان اليوم – والله أعلم بالغد- لشراء رغيفين و4 طعميات، للفطار.. فلماذا نقرأ مقابل أن نجوع؟!

ماذا نكتب؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تحتمل التأويل، فأنت إما أن تكتب عن السياسة أو الفن أو الرياضة أو حتى أحدث خطوط الموضة، وآخر صيحات "الميك آب"، أن تكتب عن أزمات الناس، وإنجازات السيد معالى دولة الوزير، وإخفاقات جناب المدير.

عدا ما سبق "خط أحمر" نقف جميعًا عنده، نصنع على أنفسنا، وبأنفسنا رقيبًا على الكلمات، نخنقها بـ"يد الوطنية"، نغتال الأحرف بدعوى الحفاظ على "الأمن الغذائى" -بالفعل أقصد الأمن الغذائى- ونصرخ بلا صوت، ونطالب بأن يسمعنا العالم... أي غباء هذا!!
الجريدة الرسمية