رئيس التحرير
عصام كامل

ندوة نقص الدواء تؤكد: توفير الأنسولين ومذيب الجلطات والهيبارين مسألة حياة أو موت



  • “الأمن القومي الصحي” غير موجود في مصر
  • النظام الصحي الآن في مصر “قاتل للمواطن”
  • تعدد البدائل يؤدي لوجود تلاعب بالسوق
  • شركات الأدوية غير قادرة على الشراء من الخارج لعدم وجود اعتمادات مالية بالبنوك
  • مشكلة نقص الأدوية الحيوية قديمة وتظهر من وقت لآخر في المستشفيات الإقليمية


لا يمكن لعاقل أن ينكر وجود أزمة قطاع الدواء المصري.. ولا يمكن لمسئول أن يتجرأ ليعلن أن الأمور بخير، و”الوضع تحت السيطرة”، حال زيارته صيدلية واحدة من الصيدليات المنتشرة في ربوع المحروسة.. “الدواء مش موجود.. والبديل ناقص”.. جملة أصبح من الطبيعى الإنصات إليها عند السؤال على نوع من أنواع الدواء.. ولا جديد سوى تفاقم الأزمة.. الحكومة من جانبها، لم تنكر الأمر، لكنها في الوقت ذاته، التزمت بنصف الآية “ولا تقربوا الصلاة”، ولم تكملها ليستريح قلبنا، قالت هناك أزمة، لكنها أصيبت بالخرس عندما جاء أوان الحديث عن الحلول والخطوات الواجب اتخاذها لإصلاح ما أفسده الدهر..البداية كانت منذ عدة أشهر.. بدأت جداول “نواقص الأدوية” في تزايد، نوع واحد لم يكن متاحًا، وسرعان ما أصبح المفرد جمعًا، وأصبح “الدواء مش موجود وما فيش أمل يكون موجود لو عديت بكرة”.. الأزمة لم ترحم أحدًا.. الجميع دخل “دوامة” البحث عن الدواء، ولم يخرج منها، وآراء الخبراء تشير إلى أن الخروج منها لن يكون بالقريب، مثلما يتحدث المسئولين عن الأمر، فالسوق تعاني من قرب نفاد المواد الخام اللازمة لعملية التصنيع، كما أن أزمة العملة الصعبة التي ضربت البلاد خلال الفترة الأخيرة كان لها بالغ الأثر في تراجع –إن لم يكن توقف- شحنات الأدوية المستوردة...من جانبها استضافت “فيتــو” في صالونها الدكتور "خالد سمير" أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس، عضو مجلس نقابة الأطباء و"محمود فؤاد" مدير مركز المصري للحق في الدواء للتحدث عن الأسباب التي صنعت الأزمة، والأسباب التي أدت لتفاقمها، ليس هذا فحسب، لكنهم تحدثوا أيضًا –وبالتفصيل– عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة –ممثلة في وزارة الصحة- للتقليل من آثار الأزمة، وإيجاد حلول واقعية وناجزة لها.. وكان الحوار التالي:



> “فيتو”: بداية.. ما الأسباب التي أسهمت في وجود ومن ثم تفاقم أزمة الدواء والمستلزمات الطبية؟
الدكتور خالد سمير: وظهرت مشكلة سوق الدواء في مصر والسبب الرئيسي عدم وجود سياسة واضحة للدواء، وفي ظل سعي الدولة للإصلاح الاقتصادي ومساعدة غير القادرين ورفع الدعم عن القادرين، نجد أن وزارة الصحة لا تصلح منظومة الدواء، وأسعار الدواء لم تمس منذ عشرات السنين.
محمود فؤاد: ومن جانبنا أرسلنا مذكرة إلى رئاسة الوزراء في 20 أغسطس بملاحظة بداية ظهور أزمة نقص الدواء في السوق، بها أصناف دواء أكدنا أن مصر ستشهد مع بداية شهر أكتوبر نقصًا شديدًا فيها بالأسواق، والآن أتساءل.. هل وزارة الصحة تفتقد الرؤية تمامًا لحل مشكلة أزمة الدواء؟ وعلينا أن ندرك هنا أن الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة، في “وادٍ آخر” يصرح دائمًا بعدم وجود أزمة وينكرها، في حين نجد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي خصص مبلغًا من البنك المركزي للشركة المصرية للاستيراد 150 صنف دواء، وما نحن فيه مأساة في ظل إنكار وزير الصحة الأزمة.

> فيتو: استمرار في حديث الأزمة.. هناك أطراف تربط بين تفاقمها وقرار الحكومة بتحرير سعر الصرف “تعويم الجنيه”.. إلى أي مدى هذا الربط صحيح؟
الدكتور خالد سمير: ارتفاع أو انخفاض سعر الدواء لا يتعلق بالمواد الخام فقط؛ لأن نسبتها في التركيبة السعرية للدواء قليلة، ويتدخل في سعر الدواء رفع أسعار الكهرباء والمياه وتكاليف الانتقال والتوزيع ومواد الدعاية والتي زادت في الآونة الأخيرة بعد تحرير سعر صرف العملة 100%، فضلا عن أن المشكلة بدأت منذ عام منذ ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وأصبحت شركات الأدوية غير قادرة على الشراء من الخارج نظرًا لعدم وجود اعتمادات مالية بالبنوك.
محمود فؤاد: بالرجوع إلى الشركات المصنعة للدواء لمعرفة أسباب التوقف عن الإنتاج، اتضح أنه تم إيقاف استيراد المواد الخام منذ شهر أغسطس الماضي، انتظارًا لإعلان الدولة بداية تحرير سعر صرف العملة لرفع السعر، ويجب أن نعترف بأننا في مشكلة أكبر وأعمق من المشكلة القائمة حاليًا، وفي الفترة من شهر مارس المقبل إلى مايو ستختفي أصناف من السوق نهائيا بسبب توقف استيراد المواد الخام.
وإذا افترضنا توفير البنك المركزي الدولارات اللازمة لاستيراد المواد الخام من الغد، فإننا نحتاج على الأقل 4 شهور من أجل الدورة العملية لفحص وتحليل المواد الخام لمدة شهر وبعد الموافقة على صلاحيتها تطلب الشركات كمية من تلك المواد، للمصانع لبدء دورة التصنيع وبعد الموافقة على صلاحيتها مرة أخرى يتم كبسها وتخزينها وتوزيعها على الصيدليات حتى تصل أخيرًا ليد المريض.

> فيتو: ما ضمته المذكرة.. ألم يكن لدى الجهات المسئولة علم بها؟
محمود فؤاد: اكتشاف الأزمة أمر بسيط إذا امتلكت وزارة الصحة سياسات دوائية، تعتمد على تقارير من الصيدليات باختفاء أحد الأصناف، وبناءً عليه يتم رصد السوق لمعرفة حقيقة الأمر وأسباب اختفاء الصنف، فضلًا عن أن منظمة الصحة العالمية حذرت الدول الأعضاء عقب تنبؤ إدارة الأزمات لديها بظهور مشكلات في سوق الدواء، وظهرت مشكلات نقص الدواء بمصر في أعوام 2005 و2008 و2011 و2015 حتى تعظم الوضع قي عامنا الحالي.
كما أن مصر دولة غريبة فيما يتعلق بتسجيل الدواء حيث يوجد 15648 ألف صنف دواء مسجل بوزارة الصحة، والمتاح في السوق منذ عام 2010 حتى الآن ما بين 6800 و7000 صنف، وفي الوقت الحالي متوفر فقط 4394 صنفًا، وذلك بسبب عدم وجود رصيد كافٍ لمتطلبات السوق نتيجة توقف استيراد المواد الخام منذ نحو 4 أشهر، وخاصة مع معرفة المرضى بالأزمة لجأ الغالبية منهم إلى التخزين خاصة أدوية الحياة والموت مثل “الأنسولين”.

ومن جانبى أتساءل لماذا نحتاج إلى أكثر من 13 ألف صنف دواء بالسوق بالبدائل والمثائل الخاصة بهم؟ وهل هناك صيدلي قادر على حفظ جميع تلك الأصناف؟ هل المواطنون على علم أن دواء مثل “بلافيكس” لمنع الجلطات الذي يعاني من نقص الآن في السوق له 10 بدائل أخرى ؟
يجب أن نضع حدًا لنظام بدائل الأدوية لأن الشركات تعتمد على “نظام السبوبة”، بسبب كثرة البدائل وهو ما تسبب في زيادة نسبة الأزمة مع عدم وجود حلول، في دولة لا يوجد بها قانون تأميني صحي كامل.
ويحدث فساد أكبر ما يسمى “مافيا الدواء” عندما تقوم الشركات بتقديم الرشاوى إلى الطبيب والصيدلي للترويج لمنتجها حتى لو أقل في الكفاءة للمريض، والسبب الأخر السماح بصرف الأدوية دون مواصفات طبية، وهذا “مصيبة مصر الكبرى”، ويجب عدم صرف الدواء بالصيدلية دون حاجة ووضع آلية مشابهة للدول الأوروبية التي تنص على عدم صرف الدواء دون وصفة طبية، ويتم تسليم الأدوية للصيدلية كعهدة.

> فيتو: ما الأدوية الحيوية التي تشهد نقصًا في السوق؟
الدكتور خالد سمير: “الأمن القومي الصحي” غير موجود في مصر، وهناك أمراض طارئة أدويتها حياة أو موت منها أدوية الأنسولين وألبان الأطفال، ومذيب الجلطات، والهيبارين لسيولة الدم ويستخدم بعمليات القلب، تلك الأدوية يجب أن تتوفر بأي طريقة، ويجب على الدولة بناء مصانع لإنتاج تلك الأدوية، لأنه في حالة استمرار استيراد الدولة أدوية تمثل تلك الأهمية لحياة المصريين، في حالة وقوع أزمة سياسية مع الدولة المستوردة سيتوقف توريد الدواء.
إضافة إلى أن مشكلة نقص الأدوية الحيوية قديمة وتظهر من الوقت لآخر في المستشفيات الإقليمية بسبب عدم وجود توازن بين الأدوية المتوفرة وعدد المرضى، لكن في الفترة الأخيرة ظهرت المشكلة بالمستشفيات الحكومية والجامعية بالقاهرة؛ بسبب عدم وجود نظام لمعرفة عدد الأدوية الموجودة في السوق والمخازن على مستوى الجمهورية.

> فيتو: ما الحلول التي يجب أن توضع لحل أزمة الدواء؟
الدكتور خالد سمير: أولًا يجب رصد مستوى الأدوية في جميع أنحاء مصر وإعادة هيكلة للنظام الصحي المصري، وعلى الدولة أن تهتم بصحة المواطن المصري من خلال الربط بين المستشفيات، وأؤكد أن النظام الصحي الآن في مصر “قاتل للمواطن المصري”.
على الحكومة بشكل مؤقت توفير اعتمادات دولارية لاستيراد الأدوية والمواد الخام، ثم تحل مشكلة الدواء من الجذور، وتفعيل التأمين الصحي بواقعية ودراسة تكلفة الخدمة مع إعطاء الفريق الطبي أجر عادل، إضافة إلى توفير صيانة للأجهزة الطبية.
وضع سياسيات صحية طويلة الأمد، وتطبيق قانون تأمين صحي شامل لحل الأزمة، والدواء.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"
الجريدة الرسمية