رئيس التحرير
عصام كامل

شركاء في الوطن


ستظل مصر تعاني من حكوماتها وشعبها مجتمعين، حين ترفض الحكومة مشاركة الشعب في قضاياه المحورية أو لنقل في قضاياه المصيرية اعتقادًا منها أن الشعب قاصر يجب توجيهه ويجب عليه الطاعة العمياء، وحين يرفض الشعب إعطاء الحكومة ثقته غير المشروطة إيمانا منه بأن من يحكمه مجموعة من البشر ليسوا منزلين أو آلهة، وبحكم تجاربه مع حكومات سابقة قد أخفقت كثيرا وبسبب تهميش الحكومات له زادت تلك الحكومات فسادا وإهدارا لمقدرات الوطن.


لنحتكم للدستور الذي تنص قوانينه وتلزم بنوده كلا من الدولة ممثلة في حكوماتها ومؤسساتها من جهة وملزمة للشعب من جهة أخرى، بما ينص الدستور من قوانين متوازنة بين الحقوق والواجبات لكل من الحكومة والشعب، فكما يجب على المواطن الالتزام بواجباته نحو الدولة يجب أيضا أن يأخذ حقوقه منها متمثلة في أبسط صورها وهي حرية التعبير عن الرأي.

حين تلتزم الحكومة بقوانين العدل والمساواة والمشاركة الحقيقية والفعلية مع الشعب حتما سيلتزم الشعب بقوانين الدولة التي تكفل له حرية التعبير على ما تقوم به حكومته في كل ما يخص الوطن من اتفاقيات أو قروض أو تمويل أو مشروعات إنمائية ضخمة أوصفقات بيع أو شراء.

في ظل حكومة ديمقراطية سيتحتم قبولها لوجود معارضة وطنية، هدفها الأوحد إيصال ما يكمن في صدور الشعب من تساؤلات، وما يغضب عقول العامة من الناس من تصرفات للحكومة، مجتمعين الحكومة والمعارضة في طلبهم لصالح الوطن والشعب.

الدولة التي تعي حكومتها أهمية حرية التعبير عن الرأي حتما سترحب بوجود معارضة محاسبة لها أن أخفقت طالما الهدف كان مصلحة المواطن والوطن، وحتما ستحافظ تلك الحكومة احتواء غضب المواطنين إذا عبروا عنه في مظاهرات سلمية ملتزمين بقانون التظاهر، وحفظ هيبة الدولة، والموضوعية في مطالبهم ومشروعيتها قبل كل شيء.

فمن الحكمة احتواء الحكومة لشعب رافض لبعض ممارسات حكومته إيمانا من الحكومة أنهم بشر ومن الطبيعي والمنطقي أن يكون الخطأ واردا ويحتاج الشعب أن يعرف ليفهم وليقدر أو يحاسب حكومته أو يطالب بتغيير ممارساتها أو ربما يصل الأمر لطلبه تغيير تلك الحكومة أن كان إخفاقها أكثر فجاجة من نجاحاتها.

حين لا تتهم الحكومة معارضيها بالعمالة والخيانة، ولا تهينهم ولا تقلل من قيمة مقترحاتهم لصالح الوطن، وقتها فقط سيكون الوطن يخطو أولى خطواته نحو الديمقراطية الفعلية، عندما تنصف الحكومة المظلوم الفقير، وتحاكم الفاسد الغني، وقتها ستكون الدولة تحت مظلة العدل.

عندما يدرك المواطن المعنى الحقيقي للحرية، سيعرف قيمة صوته في الانتخابات، قيمة تظاهره السلمي الرافض لممارسات بعينها، عندها فقط سيدرك أن الحرية ليست الفوضى والتطاول على رجال الدولة، ولكنها القدرة على إعلان رفضه لرجال الدولة الذين لا يوفرون له حياة كريمة، حتما وقتها سيكون الشعب بلغ النضج المجتمعي الذي يؤهله للمشاركة الفعلية في صنع القرار، سيكون الشعب وقتها يستحق الحكم وليس الاستعباد.

عندما تدرك الحكومة أنهم أشخاص قد تصيب وقد تخطئ وتخفق وأنهم ليسوا فوق القانون، وأنهم ليسوا كالآلهة فوق الحساب، وقتها فقط سيكون الوطن دولة وليست دار قصر.

وتطبيقا فعليا لشراكة الحكومة للشعب في صنع القرار، وشفافية تناقل المعلومات بين الحكومة وشعبها يحتاج المواطنون معرفة المعلومات الدقيقة والكاملة في قضايا شائكة تواجهها الدولة في مرحلة حرجة من تاريخها المليء بالتحديات والعثرات تفوق قدرة أي دولة تعرضت لربيع عربي زائف استغل ظروف مصر الصعبة اقتصاديا واجتماعيا في ظل حكم مجحف لمدة ثلاثين عامًا، ومن أهم ما يواجه المجتمع المصري وحكومته منذ أيام قضية تخلي الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير لدولة السعودية التي تعتبرها مجرد أرض تريد استردادها أو شراءها، لكنها تعني للمصريين دم بذل، روح قدمت، وطن حماه المصري في حربه مع العدو الإسرائيلي وقدم حياته فداء لها.

يقف المصريون رافضين لقرار اتخذته الحكومة المصرية في إعطاء الجزيرتين للسعودية، وعلى الحكومة أن تتعامل بإدراك وتفهم لمطالب شعبها في مظاهراته السلمية لا قمعها أو اعتبارها تمردا على قرار لا رجعة فيه !

إعادة النظر في قضية الجزيرتين لا يجب التهاون فيه، بمراجعة الخرائط والوثائق التي يسارع المصريون العاشقون لتراب الوطن في البحث عنها والحصول عليها لتقديمها للحكومة لإعادة مراجعة ما اتخذته الحكومة من قرار يسيء للدولة في جعلها تظهر أمام العالم تتخلى عن أرضها بدم بارد ضد إرادة شعبها.
الجريدة الرسمية