رسالة تشرشل للسيسي
في اعتقادي الشخصي أن أهم شخصية في القرن العشرين هو ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية.. ففي الوقت الذي سيطر فيه اليأس على الجميع بعد اكتساح هتلر معظم أرجاء أوربا.. وتسرب إحساس لدى شعوب العالم وقادتها بأن الوقوف في وجه هتلر مستحيل.. كانت هناك شخصية واحدة على كوكب الأرض لديها أمل وتفاؤل ويقين بالانتصار على النازي.. هي شخصية تشرشل الذي كان السبب الرئيسي في تحويل المستحيل إلى واقع..
انتصر الحلفاء بفضل ثقة ويقين هذا الرجل في النصر، الذي تحقق لعدة أسباب، أهمها حرص رئيس الوزراء البريطاني على احترام القانون وحقوق الإنسان حتى في ذروة الحرب وقدرة النازي على إبادة بريطانيا.. كان تشرشل مؤمنا بأن تجاهل القانون والمساس بحقوق الإنسان، هما اللذان سيهدمان بريطانيا وليست آلة الحرب النازية مهما كانت قوتها.
هذه ببساطة كانت قوة تشرشل، التي تجسدت عندما حصل مواطن بريطاني على حكم قضائي بنقل أحد المطارات الحربية بجوار منزله؛ لأن هذا المطار يسبب له إزعاجا طوال الليل.. ورغم اشتداد الحرب أصر تشرشل على تنفيذ الحكم ونقل المطار، وردد مقولته الشهيرة "لن ننتصر في معركتنا إذا لم نحترم القانون وحقوق المواطن".
وفي مصر الآن.. وما أدراك ما يجرى في بلدنا الآن.. المنافقون يهللون لقانون يحمل اسم مكافحة الإرهاب، لكنه في حقيقته يحبس الصحفيين ويكمم الأفواه "كل الأفواه"، ويقيد الحريات ويحول المجتمع إلى سجن كبير، ويؤدي إلى توغل القبضة البوليسية في كل مناحي الحياة.. ولا يدرك هؤلاء أن هذا القانون أخطر على مصر من إرهاب الإخوان أو غيرهم من جماعات الدم والغدر، لسبب بسيط جدا.. وهو أننا لن ننتصر في معركتنا ضد الإرهاب بكل أشكاله دون حرية صحافة.
لن ننتصر بالتضييق على الحريات.. بالعكس فالصحافة القوية الجريئة مصدر قوة لأي نظام، خاصة في الأوقات الصعبة مثل خوض الحروب.. هكذا يقول التاريخ.. وهكذا تؤكد تجارب الدول التي انتصرت على أعدائها.. أما الأنظمة الضعيفة المرتعشة فهي التي تلجأ لحبس الصحفيين وتكميم الأفواه، وتتوهم أن تلك الإجراءات ستمنحها القوة والاستمرارية في حين أنها تعجل بنهايتها.
القوة الحقيقية في الحرية والديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان.. هذه هي رسالة تشرشل للسيسي ولكل الحكام.. في كل زمان ومكان.