رئيس التحرير
عصام كامل

ننشر تقرير "تقصي الحقائق" حول أحداث فض "رابعة العدوية".. الاعتصام ضم عناصر بأسلحة نارية ومفرقعات ومواد كيماوية.. أول قتيل سقط من الشرطة.. قادة الإخوان يتحملون مسئولية الضحايا.. وعملية الفض قانونية

فيتو
18 حجم الخط

دعت جماعة الإخوان إلى التظاهر بميدان رابعة العدوية منذ يوم 21 يونيو 2013، وذلك استباقا لليوم الذي دعت إليه القوى الشعبية والسياسية بالتظاهر يوم 30 يونيو 2013 ضد حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي.


بداية الأحداث
وفي 28 يونيو ظهرت الدعوة لتحويل المظاهرات إلى تجمع، وقد بدأت أحداث العنف منذ اليوم الأول للتجمع بعضها مسجل في محاضر رسمية وأخرى لم تسجل.

ورصد التقرير يوميات العنف والمحاضر المحررة بشأنه، وأيضًا محاضر عن التضرر من ممارسات المتجمعين وصولا إلى يوم الفض 14 أغسطس 2013، وبلغت هذه المحاضر 108 محاضر.

ووضعت وزارة الداخلية خطة الفض لتنفيذ قرار النيابة العامة الصادر في 31/7/2013، وأيضا تنفيذا لقرار مجلس الوزراء الصادر بالإجماع بضرورة تنفيذ قرار النيابة العامة.

وحددت وزارة الداخلية يوم 14 أغسطس 2013، موعدا لتنفيذ قرار النيابة العامة بضبط الجرائم ومرتكبيها في ميداني رابعة والنهضة وغيرهما، وسربت وزارة الداخلية الخبر لإعطاء فرصة لمن يرغب في مغادرة التجمع، والتقى وزير الداخلية مجموعة من الإعلاميين والنشطاء من منظمات حقوق الإنسان عشية الفض، ودعاهم إلى مصاحبة القوات المخولة بالفض.

عناصر مسلحة
وضم التجمع عناصر مسلحة بأنواع مختلفة من السلاح الناري والأبيض والمفرقعات والمواد الكمياوية وغير ذلك.

وعندما طوقت قوات الشرطة مكان التجمع في السادسة صباحا تقريبا، وأعلنت عن ضرورة الإخلاء والخروج من الممر الآمن في طريق النصر باتجاه المنصة والممرات الفرعية الأخرى، والتأكيد على عدم ملاحقة الخارجين من هذه الممرات، قابلها المسلحون بالتجمع بإطلاق النار والمولوتوف والحجارة، وذلك في الساعة السادسة وخمسة وأربعين دقيقة، وأصيب النقيب محمد حمدي بطلق ناري في ذراعه اليسرى أثناء وجوده في شارع الطيران.

أول قتيل من الشرطة
وكان أول قتيل أيضًا في الأحداث من قوات الشرطة؛ حيث أصيب الملازم أول محمد جودة بطلق ناري في الوجه الساعة السابعة وخمس دقائق جراء إطلاق النار عليه من شارعي الطيران وأنور المفتي، ثم توفي في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة - حسبما أثبتت ذلك الإخطارات الرسمية ومستندات مصلحة الطب الشرعي.

والمستفاد من أقوال الشهود والتسجيلات، أن الشرطة تدرجت في استخدام القوة بدءا من الإنذار واستخدام سيارة الطنين والمياه والغاز، ولم تلجأ إلى استخدام الرصاص الحي إلا بعد وقوع أكثر من قتيل ومصاب بين صفوفها، فاستدعت المجموعات القتالية في منتصف النهار للرد على مصادر إطلاق النار عليها، وجرى تبادل إطلاق النار بين قوات الشرطة والمسلحين الذين اتخذوا من بعض المتجمعين دروعا بشرية، وتنقلوا بينهم فأصابتهم نيران الطرفين (الشرطة والمسلحين)، ووقع منهم عدد من القتلى والجرحى.

وتمكنت القوات من الوصول إلى قلب ميدان رابعة في نحو الثالثة عصرًا، وأحكمت سيطرتها وأخلت المسجد في السادسة مساء تقريبًا، ثم سمحت لبعض المواطنين بنقل الجثامين وانتهت من ذلك في الثامنة مساء.

ثبت من الخطط المضبوطة لدى أعضاء جماعة الإخوان في الجناية رقم 2210 /2014 قسم العجوزة، أنها تنوعت ما بين خطط لمواجهة الدولة بالمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، وتعطيل أجهزتها وإنشاء حكومة موازية، وإرهاق الأمن وكسر وزارة الداخلية لإسقاط النظام، وتشكيل قوة الدفاع الشعبي للقبض على عدد من رجال القضاء ورجال النيابة والقيادات الأمنية ومحاكمتهم علنا، وكذلك خطة لتقطيع أوصال الدولة بقطع الطرق ووسائل المواصلات، وخطة إعلامية تتبنى إستراتيجية الإلحاح في تكرار الخبر أو المعلومات حتى تصبح حقيقة يصعب نفيها، والتواجد بكل وسائل الإعلام للنفي الفوري لكل ما يتسرب من حقائق للإعلام، كما بثوا صورا ومواد فيلمية لأحداث وقعت بالخارج على أنها حدثت في مصر، وأشخاص يدعون الإصابة وعلى ملابسهم الخارجية ما يشبه الدماء، وبكشف الملابس الداخلية يتبين خلوها من أي آثار لدماء أو جروح.

ضحايا الفض
خلفت عملية الفض 8 قتلى، 156 مصابا في جانب الشرطة، و607 قتلى بعضهم من المواطنين غير المتجمعين الذين قتلوا برصاص مسلحي التجمع، كما هو مسجل بالمحضر رقم 15899/2013 إداري قسم أول مدينة نصر بتاريخ 14/8/2013، وحالة أخرى مسجلة بالمحضر رقم 57 لسنة 2013 أحوال قسم أول مدينة نصر.

وكشفت مصلحة الطب الشرعي، عن نقل عدد من الجثث من أماكن وفاتها (المرج، السلام، النهضة، الدقي، النزهة) إلى منطقة رابعة فتكرر تسجيلها، وتم التصحيح بقصر تسجيلها على مكان وفاتها فقط، ورصدت أيضًا مصلحة الطب الشرعي تكرار بعض الأسماء للمتوفين في منطقة رابعة وجرى حذف المتكرر، وهذا يفسر سبب انفخاض أعداد القتلى عما ذكر من قبل، أما عدد المصابين فبلغ 1492 مصابًا، وذلك بخلاف الذين آثروا العلاج خارج المستشفيات الحكومية.

ما تم تشريحه من جثث بمعرفة مصلحة الطب الشرعي 363 حالة، وباقي العدد صمم المتجمعون على دفنهم بتصاريح دفن من غير تشريح، وصدرت تصاريح الدفن ولم يثبت في أي منها أنها حالة انتحار - حسبما سبق الادعاء بذلك، ويترتب على إصدار تصريح الدفن آثار قانونية كاتخاذ إجراءات تحديد الورثة وصرف المستحقات المالية، ومن ثم كان هناك عقاب جنائي على الدفن بدون تصريح.

هذا وقد كان اتجاه الطلقات التي أصابت الحالات التي جرى تشريحها كالتالي:
29 حالة من أعلى إلى أسفل.
87 حالة من الأمام إلى الخلف.
89 حالة من الخلف إلى الأمام.
145 حالة من اليمين لليسار.
95 حالة من اليسار لليمين.

ومن بين الحالات السالفة 82 حالة، بها أكثر من إصابة من اتجاهات مختلفة.

تم ضبط 51 سلاحا ناريا مختلف العيارات، وعـدد من الطلقـات التي تستخدم عليها، بالإضافة إلى نبال وكريات حديدية، وغيرها من الأدوات والمواد التي استخدمت في الاشتباكات.

قرار فض الميدان قانوني
وخلصت اللجنة، إلى أن التجمع وإن بدا في مظهر سلمي، إلا أنه لم يكن سلميا قبل أو أثناء الفض، كما توافرت المسوغات القانونية للشرطة لفض التجمع بالقوة بعد أن فشلت مساعي إخلائه إراديا.

وأشارت اللجنة، إلى أنه تم الإعلان عن عزم الحكومة فض التجمع من خلال البيانات التي كانت تلقى على المتجمعين وفي وسائل الإعلام قبل تحديد موعد الفض، وجرى تسريب موعد الفض بعد ذلك لوسائل الإعلام التي أرسلت مراسليها لتغطيته، بالإضافة إلى الإنذار الصادر قبيل الفض، وتحديد الممر الآمن، ودعوة المتجمعين للخروج الآمن منه، ولكن كثيرا منهم رفضوا الخروج أو أجبروا على ذلك.

كما ثبت أن هدف قوات الشرطة منذ البداية إخلاء الميدان وليس قتل المتجمعين، غير أنها اضطرت إلى الرد على مصادر النيران التي أطلقها عليها المسلحون من بين المتجمعين، والدليل على ذلك أن الشرطة أخطرت وسائل الإعلام بموعد الفض، وناشدت المتجمعين الخروج قبل وأثناء الفض، كما تدرجت الشرطة في استخدام القوة، ولم تستدع المجموعات القتالية إلا بعد وقوع قتلى وإصابات في صفوفها.

فعند ضبط المتهمين بإطلاق النار على الشرطة من "عمارة المنايفة"، لم تتم تصفيتهم بل جرى القبض عليهم وتسليمهم إلى المختصين.

قادة الإخوان يتحملون المسئولية
وترى اللجنة أن المسئولية عن أعداد الضحايا في فض ميدان رابعة تقع على التجمع وقادته ومسلحوه، وقوات الشرطة وقادة التجمع الذين سلحوا بعضا من أفراده، ولم يقبلوا مناشدة أجهزة الدولة والمساعي الداخلية والخارجية لفض التجمع سلميًا، مع عدم الاكتراث بنتائج الصدام، ويشاركهم المسلحون الذين بدأوا إطلاق النار على الشرطة من بين المتجمعين، فتسببوا في وقوع الضحايا من القتلى والمصابين من جميع الأطراف بل قتلوا غيرهم من المواطنين غير المتجمعين.

كما تتحمل قوات الشرطة جزءا من المسئولية وإن كانت اضطرت إلى الرد على إطلاق النار، إلا أنها أخفقت في التركيز على مصادر إطلاق النار المتحركة بين المتجمعين مما زاد من أعداد الضحايا.

كما تقع المسئولية على بعض المتجمعين؛ لإصرارهم على التواجد مع المسلحين واستخدامهم دروعا بشرية أثناء إطلاق النار على الشرطة، ولم يمتثلوا لدعوات الخروج الآمن قبل وأثناء الفض.

الإدارة المصرية مترددة
كما أن الإدارة المصرية جانبها أيضًا الصواب، في السماح بزيادة التجمع عددا ومساحة، ونقل مجموعات الأفراد والمعدات والمواد إليه التي تدعم تحصينه واستمراره بشكل واضح، دون اتخاذ موقف حاسم لمنع ذلك.

كما أخذت اللجنة على الحكومة، ترددها بين فض التجمع في وقت قصير مع ما يرتبه من تداعيات، وبين فضه بكلفة أقل ومدة أطول غير معلوم مداها، وقد انحازت الحكومة للخيار الأول حفاظا على وجود الدولة، وكان أمامها بدائل لتجفيف مصادر العنصر البشري في التجمع، وشن حملة إعلامية واسعة لإعلان عزمها على الفض، وإشراك المواطنين معها لإرجاع أبنائهم عن الانخراط في هذا التجمع غير السلمي.
الجريدة الرسمية