رئيس التحرير
عصام كامل

الحكومة مش شغلتها محاربة الإلحاد


نعم، ولا تندهش من فضلك. وليس وظيفتها أن تروج أو تدافع عن أي عقيدة دينية أو سياسية، ولا من مهام عملها الدفاع عن أيديولوجيا محددة. لذلك فانتفاضة وزير الأوقاف ووزير الشباب لإطلاق حملة قومية لمحاربة الإلحاد بين الشباب، (اقرأ من فضك http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11072014&id=36dda517-a293-4505-8e3c-25baf7570607 ) هو إهدار للمال العام أولًا. 

وثانيًا وهو الأهم أنه ليس من مهام وظيفتهم أبدًا أن يختاروا للناس عقيدتهم أيًا كانت. فوظيفة الحكومة ليست إدخال المواطنين إلى الجنة "بالعافية"، لكن وظيفتها هي توفير الظروف الإنسانية لراحة مواطنيهم جميعًا. أي إن مهمتها سياسية وليست دينية.

لماذا؟ 
لأن حرية الاعتقاد أيًا كانت حق تكفله المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويكفله الدستور. ناهيك عن أن الأديان نفسها، وعلى رأسها الإسلام، لا تجبر أحدًا على اعتناقها. ومن ثم فمن حق المواطن أن يختار ما يشاءون من عقائد وأديان أيًا كانت. ودور الدولة هنا كمؤسسات ودور السلطة التنفيذية، أي الحكومة، هو حماية هذا الحق. بمعنى أن دورها هو الدفاع عن حق مواطنيها في أن يعتنقوا ما يشاءوا من أديان أو عقائد، أو حقهم في ألا يختاروا ويصبحوا ملحدين. ومن ثم فليس من حق الوزراء أن يشنوا حملة ضد مواطنين مصريين ملحدين. 

هل الحق في الاعتقاد مطلق؟ 
نعم، والقيد الوحيد عليه هو ألا يرتبط بالعنف وإيذاء الآخرين أو إجبارهم على اعتناق أي عقيدة. أي من حق المواطن أن يعتنق ما يشاء بشرط عدم إجبار غيره على هذا الاختيار. والشرط الثاني ألا يدعو من خلال عقيدته إلى العنف أو الإرهاب أو الإساءة لعقائد غيره، أو إيذاء غيره من الناس.

لماذا لا تنحاز الدولة لأي عقيدة أو دين؟ 
لأنها لو فعلت فسوف تفرق بين مواطنيها. أي سيكون هناك مواطنون درجة أولى ومواطنون درجة ثانية في الحقوق والواجبات. وتنتهك المساواة المطلقة بين مواطنيها. وإذا حدث ذلك فهذا معناه قنابل موقوتة سوف تنفجر حتماًِ عاجلًا أو آجلًا. فاذا كنت أنت من أقلية دينية أو عرقية أو جنسية ويتم اضطهادك، فمن المؤكد أنك سوف تنتظر الفرصة لكي تسترد هذه الحقوق ولو بالسلاح. وإذا كنت من الأغلبية المسيطرة والتي لها حقوق أكثر من غيرها، فمن الموكد أن هذا سوف يصيبك بالاستعلاء على غيرك.

وسوف تتقبل الاستبداد والقمع ضد غيرك من الناس. وتدريجيًا سوف تستخدم حقك في أنك الأفضل من غيرك من الناس، ضد حتى المنتمين لعقيدتك، بحجة أنك تطبقها وتفهمها أكثر منهم.

لذلك انفجرت دول مثل العراق، لأنه في العهود الديكتاتورية التي مرت بها كان هناك تمييز ضد بعض مواطنيها، مرة على أساس ديني ومرة على أساس عرقي (الأكراد). وعندما رحل صدام حسين ونظامه، تحول المقموعيون إلى ديكتاتوريين ضد المختلفين معهم. فالشيعة الذين كانوا مضطهدين، اضطهدوا السنة عندما أصبحوا في السلطة. وهذا ما حدث في السودان وأدى إلى انقسامها ومرشحة إلى مزيد من الانقسامات. وهو ما سوف يحدث في أي دولة منحازة لعقيدة أو عرق أو دين. ولا توجد بلد بعيدة عن كوارث الانقسام والدمار، بما فيها مصر، لو سلكت ذات الطريق المظلم. 
الجريدة الرسمية