فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

"من الهند إلى كوش".. استراتيجية إسرائيلية تستهدف الهيمنة على شرق المتوسط والقرن الأفريقي والمحيط الهندي.. وتل أبيب تسعى لإقامة تحالفات عسكرية عابرة للأقاليم

إسرائيل وإثيوبيا
إسرائيل وإثيوبيا تاريخ من التعاون المشبوه

كشف تقرير صحفي إسرائيلي أبعادا استراتيجية إسرائيلية تستهدف توسيع نطاق نفوذها العسكري والسياسي عبر شبكة تحالفات إقليمية تمتد من شرق المتوسط إلى القرن الأفريقي والمحيط الهندي، في إطار مشروع أطلقت عليه "من الهند إلى كوش".

وقال تقرير لـ"القناة 12" الإسرائيلية: إن "الاستراتيجية الإسرائيلية ترتكز على أربعة محاور مركزية هي الهند شرقا، وإثيوبيا جنوبا، وأذربيجان شمالا، واليونان وقبرص غربا، في إطار سعيها لمواجهة المشروع التركي الساعي للهيمنة، والذي رسخ وجودا عسكريا واقتصاديا في ليبيا والصومال، ويطمح إلى استكمال مثلث نفوذ عبر سوريا".

إثيوبيا في قلب المنظومة الجنوبية

وأضاف: "في قلب المنظومة الجنوبية تقف إثيوبيا التي تعد اليوم المحور الحاسم للاستقرار الإقليمي؛ حيث وقعت إثيوبيا وأرض الصومال قبل نحو عام مذكرة تفاهم تستأجر بموجبها أديس أبابا شريطا ساحليا صوماليا بطول 20 كيلومترا لمدة 50 عاما، في مقابل تعهد إثيوبي بالاعتراف باستقلال أرض الصومال".

الاعتراف بأرض الصومال

وبحسب التقرير، فإن "الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال بات يمثل حلقة أساسية بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، وقطعة مؤثرة لتوحيد المسار بأكمله، وتأمين طرق تجارة حيوية، وبناء تحالفات مع قوى عالمية على أساس مصالح مشتركة".

ولا يمكن النظر إلى ما ورد في التقرير بمعزل عن رغبة "إسرائيل" -أيضا- في امتلاك القوة بعيدا عن حدودها وخلق موطئ قدم عسكري باب المندب والذي بات أحد أخطر الممرات البحرية في العالم، وساحة صراع مفتوحة بين قوى إقليمية ودولية، في ظل التوترات التي تتصاعد في اليمن بين حين وآخر.

ويضيف التقرير: إن "أرض الصومال ليست مجرد إقليم؛ حيث تقع على ممر رئيسي للبحر الأحمر، الذي يمر عبره نحو 30% من حركة الحاويات العالمية، كما أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال يمنح شرعية لمذكرة التفاهم الإثيوبية بشأن استئجار الشريط الساحلي الممتد بطول 20 كيلو مترا في أرض الصومال، ما يساعد أديس أبابا في مواجهة الحصار التركي-المصري-الإريتري الذي يضيق الخناق عليها".

تحذيرات من قواعد عسكرية إسرائيلية في "أرض الصومال"

ما ذكره التقرير ألق بثقله على التصريحات العربية؛ حيث سارع رئيس بعثة جامعة الدول العربية بالأمم المتحدة السفير ماجد عبد الفتاح بالتأكيد على أن "إسرائيل" تسعى إلى بناء قواعد عسكرية في ما يسمى بأرض الصومال، فيما أشار تقرير نشره "مركز تقدم للسياسات" إلى أن "أهم أهداف الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال يتمثل إمكانية بناء قواعد عسكرية إسرائيلية تعزز عمقها الاستراتيجي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر وممر باب المندب المائي الدولي".

"إسرائيل" تسعى للتخلص من مصير الأفيال في الغابة

وعلى الصعيد الأوروبي، كشف التقرير الإسرائيلي أن المحاور التي تسعى "إسرائيل" إلى تشكيلها تستهدف الخروج من حلقة انتظار "مصير الأفيال في الغابة"، مؤكدا أن "القمة الثلاثية التي استضافتها إسرائيل في 22 ديسمبر 2025، وضمت إلى جوارها كلا من اليونان تؤكد أن إسرائيل لم تعد ترغب في أن يكون مصيرها بيد غيرها، وتسعى لأن تكون لاعبا مؤثرا يحول القوة التكنولوجية والعسكرية إلى عائد سياسي يعيد رسم وجه الشرق الأوسط، من الهند إلى كوش".

وانتهت القمة الثلاثية -التي ضمت اليونان وقبرص كعدوين تاريخين لتركيا- ببيان أكد على تعزيز التعاون الثلاثي القائم في مجالات الأمن والدفاع والشئون العسكرية، وتعميق التنسيق في حماية الممرات البحرية والبنى التحتية الحيوية من التهديدات المستجدة، دفع المشاريع المشتركة في مجال الطاقة، وربط شبكات الكهرباء، وتطوير المبادرات الخاصة بالطاقة المتجددة.

شرق المتوسط: عسكرة التحالفات تحت غطاء التعاون

لكن قراءة ما وراء سطور البيان تعكس رغبة إسرائيلية قوية في فرض نفوذها على منطقة شرق البحر المتوسط، وذلك ضمن سياسة عسكرية تتبعها إسرائيل مدى السنوات الماضي؛ حيث زودت كلا البلدين بمنظومات صاروخية متطورة، وطائرات مسيرة، وتقنيات حرب إلكترونية، وكثفت من تدريباتها العسكرية في كلا البلدين، بما في ذلك إجراء تدريبات جوية تحاكي التعامل مع منظومات دفاع جوي متقدمة مثل منظومة "إس-300"، وهي منظومة دفاع جوي روسية صاروخية بعيدة المدى، صممت لاعتراض الطائرات وصواريخ كروز والصواريخ البالستية، وتتكون من وحدات رادارية، مركز قيادة، وقاذفات صواريخ محمولة على مركبات، وتتميز بقدرتها على استهداف أهداف متعددة في وقت واحد على مسافات تصل إلى 250 كم، وتعتبر من أقوى أنظمة الدفاع الجوي في العالم.

وعلى الرغم من تأكيد بنيامين نتنياهو أن هذا التعاون لا يستهدف تركيا، فإن تقارير إعلامية صادرة من أثينا تحدثت عن بحث القمة إنشاء قوة انتشار سريع مشتركة قوامها نحو 2500 جندي، تقدم بوصفها أداة ردع في شرق المتوسط.

بناء أقوى أسطول في فضاء المحيط الهندي 

بالعودة إلى التقرير، تشير "القناة 12" إلى أن رئيس الوزراء الهندي اختار -هو أيضا- إثيوبيا بصفتها الركيزة المركزية له في فضاء القرن الإفريقي. وقبل أسابيع قليلة، أتم زيارة سياسية تاريخية إلى أديس أبابا، وتحدث بصورة صريحة وواضحة عن أهدافه في الإقليم، وهو يسعى بعزم نحو استقلال استراتيجي كامل، مع توظيف الموقع الفريد للهند في المنافسة الصينية-الأمريكية.

وأضافت: ترتكز هذه القوة على متانة عسكرية تجلت قبل نحو نصف عام فقط، حين واجهت الهند خصمها النووي المسلم، باكستان، في جولة قتال مكثفة، انتهت بإظهار دلهي تفوقا مطلقا. ويحول مودي هذا الثقة إلى عقيدة بحرية بعيدة المدى من خلال بناء أقوى أسطول في فضاء المحيط الهندي، يهدف إلى ضمان الهيمنة الهندية على طرق التجارة الحيوية الممتدة من مضيق هرمز إلى مداخل البحر الأحمر في جيبوتي وأرض الصومال.

دلالات أوسع ومآلات محتملة

وتكشف هذه التحركات سعي "إسرائيل" إلى إعادة رسم خرائط النفوذ الإقليمي والدولي عبر أدوات عسكرية وتحالفات استراتيجية عابرة للجغرافيا، ما ينذر بتصعيد تنافسي حاد في مناطق حساسة تمس أمن الملاحة الدولية وتوازنات القوى في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي.

وفي المقابل، يستوجب التعامل مع تلك التحركات الإسرائيلية -المشبوهة- من خلال اتخاذ إجراءات استباقية تعتمد على تعزيز المتابعة العربية والإفريقية المشتركة للتطورات الجيوسياسية في القرن الأفريقي وشرق المتوسط، وتعزيز أمن الممرات البحرية، ومنع عسكرة الموانئ والمضائق، بما يحفظ توازن القوى ويجنب المنطقة الانزلاق إلى صراعات مفتوحة.